وباء كورونا وسخرية الملاحدة من أهل الدين

إذن فقد أصبح أهل الطبّ اليوم هم أنبياء هذا العصر الجديد، عصر كورونا، فقد انتشى بعض الملاحدة على إثر الوباء وركبتهم السكرة، فطفقوا يسخرون من أهل الدين وعلمائه ويقدّسون علماء الطب والأمراض لأنهم أكثر نفعا للبشرية حين يطورون علاجا لكورونا في مختبراتهم، ولأن علماء الدين لم يقدموا شيئا للخلاص من المرض، بل أغلقوا المساجد وهرعوا كبقية الناس على عتبات مختبرات العلماء ينتظرون منهم علاج الفيروس!

هذه هي الرؤية التي تسيطر على بعض العقول اليوم، وهي رؤية فاضحة لأصحابها لو تفكرنا بها جيدا، فهم في الواقع يختزلون الإنسان – اختزالا مهينا - في بُعده البيولوجي، لأنهم يفترضون أن من ينفع الإنسان في صحّته الجسدية هو الأجدر بالتعظيم والمقدم على غيره، متجاهلين مصالح الإنسان الأخرى؛ العقلية والنفسية والروحية.

نحن لا نختلف مع هؤلاء في أهمية الحفاظ على صحة الإنسان، بل نفخر بأن ديننا جاء بجملة توصيات متماسكة فيما يتعلق بحفظ الجسد والصحة العامة، وقد جاء على إثر هذه التوصيات الدينية عصرٌ ذهبي للحضارة الإسلامية شاعت فيه معالم النظافة والبيئة الصحية، وكثر الأطباء والبيمارستانات، وصارت حماية الإنسان من أي أذى جسدي يصيبه من مقاصد هذا الدين.

ولكن المسلم لا يتطرف ليختزل الإنسان في بعده البيولوجي فيُقدّم من يعتني به على من سواه، فنحن نؤمن أن هذه الدنيا دار ممر لا دار مقر نهائي، وسنرحل بعد محطة الموت إلى حياة خالدة جديرة بالإعداد لها، وهذا المعتقد هو الفارق الحقيقي الذي يحررنا من اختزال السعادة في البعد المادي والجسدي.

هناك فريق يرى أن الإنسان "منتَج" ستنتهي صلاحيته ويذهب للإتلاف في لحظة الموت، ومن ثم تتمثّل مصلحته في تأخير الوصول إلى تلك اللحظة من خلال تحسين عمليات صيانته ومدّ صلاحيته إلى أطول مدة ممكنة، ومن هنا جاءت تلك القيمة العليا لمفهوم "الصحة"، باعتباره التجلي الأبرز لمفهوم السعادة في حلّته المادية البائسة تلك.

وهناك فريق يرى عمليات الصيانة الصحية تلك ضرورة إلى جانب ضرورات أخرى، كالعناية الأخلاقية والنفسية والعقلية، وهذا تحديدا هو ما بُعث الأنبياء من أجله، فلا يستقيم حال البشر بأجساد صحيحة ونفوس جامحة، ولو أنّ والدا اعتنى بصحة طفله أفضل عناية، فعوّده على أفضل نظام غذائي وحصّنه من الأمراض وسجله في أفضل نظام صحي وفي أرقى المساقات الرياضية، ثم حرمه من كل تربية أخلاقية ولم ينهه عن فعل السوء وأكل المال الحرام وأذية الناس، هل يكون جديرا بالتكريم؟

أهل الطبّ العقلاء هم أعلم الناس بأنّ صحة الإنسان ليست أهم عنصر في حياته، وأنه حين تتعارض المصلحة الصحية مع الأخلاق فإنهم يُعلون جانب الأخلاق. وهم أنفسهم لا يرضون أن يتحولوا إلى أنبياء يحلون محلّ العلماء بالوحي والدعاة إلى الله.

والمسلم لا يحمل في عقله هذه المصادمات بين أنواع النفع على الجنس البشري، فهو بين طبيب فاضل يعالج المصابين ويبث الوعي الصحي بين الناس، وعالمٍ حاذق يبحث عن العلاج، وداعية صالح يذكّرهم بربّهم وبآخرتهم، ويحدّ من هلعهم وجزعهم.

الموتورون فقط هم من يجعلون الأطباء سوبرمانات وأنبياء، ويتّخذون جهودهم الطيبة ذريعة للحطّ من الدين وأهله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين