الإسراء والمعراج.. معجزةُ باهرة ورحلةُ مباركة

تُطل علينا ذكرى (الإسراء والمعراج) في وقت عصيب، نحن بأمس الحاجة فيه إلى المعاني والحِكم والدلالات التي تنطوي عليها هذه الذكرى العطرة.

قال الله تعالى (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) هذا هو المقصد من التذكير بهذه المناسبة الجليلة، التي تُعتبر من أبرز صفحات (النبوة) الطاهرة، ومن أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم، والتي خرق الله بها نواميس الكون، إظهاراً لقدرته التي لا يُعجزها شيء في السماء، وإكراماً لنبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بعد الذي لاقاه في درب الدعوة من محنٍ وحُزنٍ وإرهاق، فأسرى ـ سبحانه ـ بعبده وحبيبه صلى الله عليه وسلم، ليلاً بجسده وروحه الشريفين، من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في فلسطين المباركة، ثُمّ عرج به ـ من ذلك المكان المقدس ـ إلى السماوات العُلى، حيث أراه من اياته الكبرى واوحى إليه ما أوحى ، وقدّم له ولامته هدية عظيمة القدر، رفيعة الشأن.. ألا وهي (فريضة الصلوات الخمس ).

فيها بنا ـ أيها الأخوة والأخوات ـ لنعيش بعقولنا وقلوبنا في رحاب هذه المعجزة الباهرة والرحلة المباركة ونستلهم منها الدروس والعبر لحاضرنا ومستقبلنا.

ـ تمهيد وإرهاصات: 

لقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُبيل معجزة الإسراء والمعراج بظروف قاسية جداً بلغت فيها المحنة والمعاناة ذروتها، فزوجته الأولى خديجة الكبرى رضي الله عنها التي تقف إلى جانبه في السرّاء والضراء وتواسيه وتشد من أزره توفيت وتبعها في الوفاة عمه أبو طالب – شيخ مكة و قريش - الذي كان يمنع قريش من الاعتداء على ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم وقتله.. فزاد المشركون من أذاهم واضطهادهم للنبي صلى الله عليه وسلم حتى أنهم نثروا التراب على رأسه الشريف فقامت إليه ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( يا بنية لا تبكي فإن الله مانع أباك ـ أي ناصره وحاميه ـ) رواه الطبراني.

ومع ذلك فلم ييأس النبي صلى الله عليه وسلم من الدعوة إلى الله ولم يتراجع عنها، فاتجه إلى الطائف، لعله يجد بين أهلها من يستجيب لدعوته وينصرها ولكن الطائف كانت أسوأ حالاً من مكة، وقلوب وألسنة قومها (بني ثقيف) كانت أقسى وأفحش من قلوب وألسنة مشركي قريش.. فأقفل راجعاً صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع من زعمائهم كلاماً غليظاً وبعد أن رماه غلمانهم وعبيدهم وسفهاؤهم بالحجارة فسالت دماؤه الزكية من قدميه الشريفتين.. وهوى عليه الصلاة والسلام إلى جانب بستان لعُتبه وشيبة ابني ربيعة ليلتقط أنفاسه ويناجي ربه بهذا الدعاء الطاهر الحار: (اللهم إني اشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني علي الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك ، لك العُتبى (أي الرجعى) حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك) رواه الطبراني.

ـ بداية الرحلة المعجزة:

بعد هذه الضائقة الشديدة والمعاناة الكبيرة التي مرَّ بها عليه الصلاة والسلام.. والتي لم يشهد مثلها من قبل، ابتدأت رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج تكريماً له صلى الله عليه وسلم على صبره وتحمله للشدائد والصعاب في سبيل الله وتبديداً لهمومه التي ضاق بها صدره، وتفريجاً لكروبه التي أحاطت به من من كل جانب، ففتح الله له أبواب السماء بعد أن أُقفلت بوجهه أبواب الأرض، واستقبله أهل السماء بعد أن أعرض عنه أهل الأرض ، قال تعالى :(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لِنُريه من آياتنا إنه هو السميع البصير).

ـ قصة الإسراء: 

عن الحسن رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(بينما أنا نائم في الحِجر إذ جاءني جبريل.. فجلست فأخذ بعضدي فقمت معه، فخرج بي إلى باب المسجد، فإذا دابة بيضاء بين البغل والحمار، في فخذيه جناحان يحْفزُ (أي يدفع) بهما رجليه، فحملني عليه، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته. فمضى رسول الله صلى اله عليه وسلم ومضى جبريل عليه السلام معه حتى انتهى به إلى بيت المقدس، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمعوا له، فأمّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلّى بهم، ثم أتي بإنائين في أحدهما خمر وفي الآخر لبن، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن فشرب منه وترك إناء الخمر، فقال له جبريل :( هُديت للفطرة وهُديت أمتك يا محمد وحُرّمت عليكم الخمر..) (تهذيب السيرة: ص 90).

ـ قصة المعراج:

عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :(لما فرغت مما كان في بيت المقدس، أُتي بالمعراج، ولم أر شيئاً قط أحسن منه.. فأصعدني صاحبي فيه - اي جبريل – حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء يقال له باب الحفظة، عليه ملك من الملائكة يقال له إسماعيل، تحت يديه أثنا عشر ألف ملك، تحت يدي كلِّ ملك منهم اثنا عشر ألف ملك (وما يعلم جنودَ ربك إلا هو) فلما دخل بي قال :من هذا يا جبريل؟ قال: هذا محمد قال: أوقد بُعث؟ قال: نعم قال فدعا لي بخير.

1ـ ولما دخلت السماء الدنيا رأيت بها رجْلاً جالساً تُعرض عليه أرواح بني أدم فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيراً ويُسرُّ به، يقول : روح طيبة خرجت من جسد طيب. ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه : أُفٍ: ويعبس بوجهه ويقول روح خبيثة خرجت من جسد خبيث، قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أبوك ادم، تعرض عليه أرواح ذريته..!

2ـ ثم أصعدني إلى السماء الثانية : فإذا فيها ابنا الخالة: عيسى بن مريم، ويحي بن زكريا.

3ـ ثم أصعدني إلى السماء الثالثة: فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر، قلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك يوسف بن يعقوب.

4ـ ثم أصعدني إلى السماء الرابعة فإذا فيها ادريس عليه السلام فسلّم عليه ورحّب به.

5ـ ثم أصعدني إلى السماء الخامسة: فإذا فيها كهلُ أبيض الرأس واللحية، عظيم العثون (أي اللحية) لم أر كهلاً أجمل منه، قلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبب في قومه هارون بن عمران.

6ـ ثم أصعدني إلى السماء السادسة: فإذا فيها رجل آدم (أسمر) طويل، أقنى (عالي قصبة النف) كأنه من رجال شنوءة (قبيلة من الأزد)، فقلت له : من هذا يا جبريل؟ قال: هذا أخوك موسى ابن عمران.

7ـ ثم أصعدني إلى السماء السابعة: فإذا فيها كهلُ جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة، لم أر رجلاً أشبه بصاحبكم ولا صاحبكم أشبه به منه قلت: من هذا يا جبريل؟ قال : هذا ابوك إبراهيم.

ثم دخل بي الجنة فرأيت فيها جارية لعْساء (أي يميل لون شفتيها إلى السواد قليلاً)، فسألتها: لمن أنت؟ ... فقالت: لزيد ابن حارثة ، فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأقبلت راجعاً، فلما مررت بموسى بن عمران، ونِعم الصاحب كان لكم ، سألني : كم فُرض عليك من الصلاة؟ فقلت: خمسين صلاة كلَّ يوم. فقال : إن الصلاة ثقيلة، وأن أمتك ضعيفة، فارجع إلى ربك فاسأله ان يخفف عنك وعن أمتك، فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي، فوضع عني عشراً، ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك، فرجعت فسألت ربي فوضع عني عشراً، ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك، فرجعت فسألته فوضع عني عشراً، ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك كلما رجعت إليه قال: فارجع فاسأل . حتى انتهيت إلى ان وضع ذلك عني إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة ، ثم رجعت إلى موسى فقال لي مثل ذلك، فقلت، قد راجعت ربي وسألته، حتى استحييت منه، فما أنا بفاعل. فمن أدّاهن منكم إيماناً بهن واحتساباً لهن، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة) (تهذيب السيرة: ص94). 

* بعض ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج:

1ـ الدنيا وإبليس وثلاثة انبياء: 

لما ركب النبي صلى الله عليه وسلم البُراق وسار بها مع جبريل عليه السلام: فإذا هو بعجوز على جانب الطريق، فقال: من هذه يا جبريل؟ قال: سِرْ يا محمد، قال فسار ما شاء الله أن يسير فإذا شيء يدعوه متنحياً عن الطريق، فقال، هلُم يا محمد فقال له جبريل سرْ يا محمد : فسار ما شاء الله أن يسير، قال فلقيه خلقُ من خلْقِ الله ، فقالوا: السلام عليك يا أول، السلام عليك يا آخر، السلام عليك يا حاشر، فقال له جبريل: أما العجوز التي رأيت إلى جانب الطريق فلم يبق من الدنيا إلا كما بقي من عمرتلك العجوز، وأما الذي أراد أن تميل إليه: فذاك عدو الله إبليس أراد أن تميل إليه، وأما الذين سلّموا عليك فإبراهيم وموسى وعيسى) (دلائل النبوة للبيهقي: 2/362 ـ والطبري:15/6).

2ـ المجاهدون :

(... أتى صلى الله عليه وسلم على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان. فقال يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : المجاهدون في سبيل الله ، ثضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه ) (دلائل النبوة للبيهقي :2/398 ـ والطبري: 15/7).

3ـ المتثاقلون عن الصلاة :

(ثم أتى صلى الله عليه وسلم على قوم تُرضخ رؤوسهم بالصخر، كلما رُضخت (أي ضربت) عادت كما انت ولا يُفتر (أي لا ينقطع) عنهم من ذلك شيء. قال : يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين تثاقلت (أي تكاسلت) رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة) (المصدر السابق).

4ـ الزناة :

(.. ثم أتى صلى الله عليه وسلم على قوم بين ايديهم لحم نضيج في قدور، ولحم آخر نيء خبيث، فجعلوا يأكلون من النيء الخبيث ويدعُون النضيج الطيب قال : يا جبريل من هؤلاء؟ قال :الرجل من أمتك يقوم من عند امرأته حلالاً فيأتي المرأة الخبيثة، فيبيت معها حتى يُصبح. والمرأة تقوم من عند زوجها حلالاً طيباً فتأتي الرجل الخبيث فتبيت عنده حتى تصبح) (المصدر السابق).

(.....ثم رأي نساء معلقات بثُدِّيهنَّ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال : هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم....) (المصدر السابق).

5ـ الأمانة :

(ثم أتى صلى الله عليه وسلم على رجل قد جمع حزمه عظيمة لا يستطيع حملها، وهو يزيد عليها، فقال من هذا يا جبريل؟ قال: هذا الرجل من أمتك يكون عليه أمانات الناس، ولا يقدر على أدائها، وهو يريد أن يحمل عليها!!) (المصدر السابق).

6ـ خطباء الفتنة :

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مررت ليلة أسري بي على قوم تُقّرض شفاههم بمقاريض من نار قال: قلت : من هؤلاء ؟ قال: خطباء من أهل الدنيا كانوا يأمرون الناس بالبرَ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون) رواه الإمام أحمد في مسنده.

7ـ كلمة الفحش: 

(...ثم أتى على جحر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة فيندم عليها، فلا يستطيع أن يردها) (دلائل النبوة للبيهقي: 2/399 ـ والطبري: 15/7).

8ـ أكلة أموال اليتامى: 

(.. ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام مشافرهم (أي شفاههم) كمشافر الإبل فيفتح على أفواههم، ويلُقّمون من ذلك الجمر، ثم يخرج من أسافلهم فسمعتهم يضجون إلى الله تعالى: قلت يا جبريل من هؤلاء ؟ قال: هؤلاء من أمتك :(الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (دلائل النبوة للبيهقي: 2/392).

9ـ المغتابون: 

(.. ونظر صلى الله عليه وسلم في النار فإذا قوم يأكلون الجيفْ. قال : من هؤلاء يا جبريل؟ قال هؤلاء الذين يأكلون لحم الناس..) (مسند الإمام احمد).

(... ثم مضيت هنيهة فإذا أنا بأقوام يقطع من جنوبهم اللحم فيلقمونه فيقال لهم : كلوا كما كنتم تأكلون من لحوم اخوانكم. قلت : يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الهمّازون من أمتك اللمّازون)(دلائل النبوة للبيهقي:23/393).

وقال صلى الله عليه وسلم :(لما عُرج بي .. مررت بقوم لهم أظافر من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم..) (رواه احمد وأبو داود).

10ـ ماشطة بنات فرعون: 

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أُسري بي مرت بي رائحة طيبة فقلت: ما هذه الرائحة؟ قالوا: ماشطة بنت فرعون وأولادها. سقط مشطها من يدها فقالت : بسم الله فقالت: إبنة فرعون: أبي؟ قالت: ربّي هو ربّك وربّ ابيك . قالت : أولكِ ربٌّ غير أبي؟! قالت نعم فدعاها (فرعون) فقال: ألك ربّ غيري؟ قالت: نعم. ربّي وربّك الله. فأمر ببقرة من نحاس فأحميت ثم أمر بها لتلقى فيها وأولادها، فألقوا واحداً واحداً. حتى بلغ رضيعاً فيهم فقال: قعي يا أمّه ولا تقاعسي فإنك على الحق. قال وتكلم أربعة وهم صغار: هذا وشاهد يوسف، وصاحب جريج وعيسى ابن مريم) ( رواه أحمد والطبراني وغيرهما).

ـ العودة من الرحلة المعجزة:

وبعدما جاب النبي صلى الله عليه وسلم السماوات العلى الواحدة تلو الأخرى حيث رأى من آيات ربه الكبرى وأوحى الله إليه ما أوحى، عاد صلى الله عليه وسلم إلى الأرض وإلى بيت المقدس بالذات وصلى بالأنبياء إماماً، ثم ركب البراق واتجه إلى مكة البلد الأمين فوصلها قبل الفجر ونام مع أهله، فلما استيقظ أخبرهم بالرحلة التي أكرمه الله بها، ثم انطلق إلى قريش واخبرهم بما جرى له في تلك الليلة المباركة، فاستغرب معظمهم هذا الأمر واستنكروه.

وقال بعضهم: والله إن العير (أي القافلة) لتطرد (أي تجري بسرعة) من مكة إلى الشام شهراً مدبرة، وشهراً مقبلة، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة!، وذهب نفر من الناس إلى أبي بكر فقالوا له : هل لك يا أبا بكر في صاحبك، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة! فقال لهم ابو بكر: إنكم تكذبون عليه. فقالوا: بلى، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس، فقال أبو بكر: والله لئن كان قاله لقد صدق، فما يعجبكم من ذلك! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض ساعة من ليل أو نهار فأصدقه! صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم ، قال : يا نبي الله فصفه لي فإني قد جئته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فرُفع لي حتى نظرت إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ويقول أبو بكر صدقت، أشهد أنك رسول الله.

ـ الدروس والعبر:

1ـ علو وشرف مقام العبودية لله:

إن كمال المخلوق في تحقيق عبوديته الخالصة لله، وكلما ازداد العبد تحقيقاً لهذه العبودية، كلما ازداد كماله وعلت درجته، ومن هنا سمّى الله تعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعبد في مقامات شريفة منها: مقام الإسراء :(الإسراء :1)،مقام الوحي :(النجم: 10) و(الفرقان: 1) ، مقام الدعوة:( الجن:19)، مقام التحدي:(البقرة:23). وروى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(.. إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله).

2ـ الإسلام دين الفطرة:

إن إختيار النبي صلى الله عليه وسلم اللبن على الخمرة فيه دلالة رمزية على أن الإسلام هو دين الفطرة، أي الدين الذي ينسجم في عقيدته وأحكامه مع تقتضيه الفطرة الإنسانية الصافية والأصيلة، ولو أن الفطرة كانت جسماً ذا طول وأبعاد. لكان الدين الإسلامي خير ثوب لها. قال تعالى :(ورضيت لكم الإسلام ديناً) (المائدة:3).ووقال تعالى : ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ) ( البقرة : 138) .

3ـ وحدة رسالات الأنبياء عليهم السلام:

إن صلاته صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء في بيت المقدس فيه دلالة واضحة أنه أفضلهم وأن الإسلام هو رسالة الأنبياء جميعاً، وهذا يوجب على الذين يدّعون الإنتساب لسيدنا عيسى وموسى وغيرهم ان يتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم ويسيروا على طريقه ففي الحديث (لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) رواه مسلم. 

4ـ الصلاة معراج المؤمنين: 

الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي فُرضت مباشرة من الله من غير واسطة ملك في ليلة شريفة ومكان عظيم وفي ذلك إشارة إلى أهمية الصلاة وعلو قدرها ورفعة شأنها، كما أن فيه إشارة إلى الحكمة التي من أجلها شُرعت الصلاة ألا وهي الإتصال الروحي بين العبد وربه سبحانه وتعالى فإذا كان الله تعالى قد اكرم نبيه صلى الله عليه وسلم بالمعراج الجسدي والروحي إلى السماء، فإن الله كذلك أكرم المؤمنين بمعراج روحي خمس مرات في اليوم، عن طريق الصلوات الخمس.

5ـ قضية المسجد الأقصى أمانة في أعناق المسلمين:

لقد ربطت معجزة (الإسراء والمعراج) المسجد الحرام في مكة بالمسجد الأقصى في فلسطين برابط وثيق هو رابط القرآن والعقيدة والتاريخ.

لذلك فإن حرص المسلمين على المسجد الأقصى المبارك يجب أن لا يقل عن حرصهم على المسجد الحرام، فهل قام المسلمون بهذا الواجب؟ وهل حافظوا على هذه الأمانة الكبرى التي أودعها في أعناقهم الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أسرى به إلى ذلك المكان المقدس الطاهر؟ لقد إغتصب اليهود فلسطين ودنسوا المسجد الأقصى!! وفي كل يوم نسمع عن إنتهاك الحرمات وإهانة المقدسات وإذلال المسلمين في فلسطين.. ما يندى له الجبين ويتقطع له القلب! فماذا صنع المسلمون لتخليص المسجد الأقصى وتحرير فلسطين؟! أين الجيوش العربية والإسلامية التي يجب أن تنطلق لدك معاقل الصهيونية وتحطم أساطيرها وأحلامها؟!!!.

إن أمتنا اليوم مطالبة بإعداد العدة الايمانية والجهادية لتحرير مسرى محمد صلى الله عليه وسلم من براثن اليهود، وتحقيق وعد الله بتحرير الأقصى وفلسطين والقضاء على اليهود الغاصبين : ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوْا تتبيرا) (الإسراء:7).

ـ ختاماً:

لتكن ذكرى الإسراء والمعراج صرخة حق بوجه الخونة والمستسلمين الذين باعوا فلسطين والقدس لليهود بأبخس الأثمان.

لتكن هذه الذكرى صيحة استنهاض ونفير للمسلمين في كل مكان ، ليقوموا بواجبهم الشرعي، تجاه فلسطين والمسجد الأقصى الذي يئن تحت حراب المحتلين يستصرخ المؤمنين: 

المسجد الأقصى يئن بحرقه مسرى الرسول يهيب بالعُبّاد 

لبّوا النداء إن اليهود بساحتي فعلوا خسيس افحش والافساد

فهل من مُلبٍ؟! 

هل من مجيب؟!.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين