الاختلاف كبير بين الإسلام والممارسات الفعلية للمسلمين (6-17)

السؤال: 

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: إذا ما كان الإسلام أفضل الأديان كما تقولون، فلماذا نجد كثيرًا من المسلمين غير صادقين، ولا يمكن الوثوق بهم، وينخرط بعضهم في نشاطات مخلّة: كالاحتيال، والرشوة، والتعامل في المخدرات... إلخ.

الجواب:

كثيراً ما يقع الخلط بين ما يفعله المسلمون أفرادًا وجماعات، وبين الإسلام، سواء كان هذا الخلط نابعًا من خطأ غير مقصود؛ بسبب الجهل بالإسلام وما يدعو إليه، أم كان عن عمد؛ بقصد تشويه الإسلام والإساءة إليه ممن أعمت الأحقاد بصائرهم ودفعتهم إلى تتبّع الزلّات وغضّ الطرف عن الحسنات.

وبيان هذا الأمر من خلال النقاط التالية:

1- الإسلام دين الله الخاتم، الذي رضيه لعباده كلهم على مختلف أجناسهم وألوانهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو الدين الذي لا يقبل الله غيره. 

ولأنّه الدين الخاتم: فقد كمّله الله تعالى، فجعله مشتملًا على كلّ ما يحقّق مصالح الخلق الدينية والدنيوية معًا، وجعله صالحًا للتطبيق في كل زمان ومكان، فالإسلام يحرّر الإنسان من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ويحرّرهم من هيمنة الخُرافة والسحر والدجل والشعوذة والأساطير الباطلة، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويقيم العدل، ويحقّق السعادة في الدنيا والآخرة، ويساوي بين المسلمين؛ فلا فضل لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى، ويأمر بالتكافل بين المسلمين، وبكلّ ما يزيد الألفة والمحبة بينهم، كما يحثّ على الإحسان إلى الخلق عمومًا، إلى غير ذلك من الفضائل والمحاسن التي لا تحصى.

فمن أراد أن يتعرّف على الإسلام حقًّا: فليتعرّف عليه من خلال تعاليمه ومبادئه، ولْيقرأ عنه في القرآن الكريم، وأحاديث رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرته المطهرة. 

2 - ليس في الإسلام قداسة وعصمة لأيّ إنسان، سوى للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهو وحده النموذج الأمثل الذي يجسّد تعاليم الإسلام، وهو الوحيد الذي أمرنا الله باتخاذه أسوة وقدوة مطلقًا، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:21] فمن أراد أن يحاكم الإسلام بتصرفات أتباعه فليحاكمه بأقوال وأفعال النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

أما غيره من المسلمين فهم غير معصومين وهم مسؤولون عن أعمالهم، والتفاضل فيما بينهم يكون بمقدار علمهم وتقواهم وأخلاقهم، حتى عشيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته وأقرب الناس إليه فإنّهم مأمورون بالاجتهاد لنيل الأفضلية من خلال الالتزام بتعاليم الإسلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخاطباً إياهم: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) (1).

3 - في الإسلام نماذج وضّاءة للمسلمين الصادقين الملتزمين بتعاليم الإسلام، أولهم: أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين عاشوا معه وتعلّموا منه وتربّوا على يديه، ثم مِن بعدِهم التابعون، ثم الذين يلونهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)(2).

ولا يخلو عصر من العصور اللاحقة من وجود نماذج تعبّر بعلمها وأخلاقها وأقوالها وأفعالها عن الإسلام الحق، ممن تستحق أن تكون قدوة للآخرين؛ ليصدق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ لاَ يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ)(3). 

فمن أراد أن يحكم على الإسلام من خلال أتباعه: فلينظر في سيرة الصحابة والتابعين وأعلام أمّة الإسلام على مر العصور، وليس من خلال النظر في أحوال جميع المنتسبين إليه.

4 - المسلمون متفاوتون في استقامتهم على الدين، والتزامهم بهدي الإسلام، واقتدائهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين وسائر أصحابه رضي الله عنهم.

فمنهم الصالحون المستقيمون الملتزمون بأخلاق الإسلام وآدابه.

ومنهم المفرّطون، ومنهم البعيدون كلّ البعد عن الإسلام فتجدهم غارقين في الشهوات، لا يتّصفون بالصدق ولا بالأمانة ولا بغيرها من الأخلاق؛ وهؤلاء ليس لهم من الإسلام إلا الاسم، وهم لا يمثّلون الإسلام ولا المسلمين، بل يسيؤون إلى الإسلام بتصرفاتهم.

5 - على الرغم من وجود الذين يشذّون عن القاعدة في المجتمع المسلم -كما هو الحال في كل مجتمع- إلا أنّنا إذا نظرنا إلى المسلمين بصورة عامة، نجدهم يمثّلون أفضل المجتمعات في العالم قاطبة:

- فالمسلمون يمثّلون أكبر مجموعة من الممتنعين تمامًا عن المسكرات.

- كذلك يمثّل المسلمون -مجتمعين- أكبر نسبة من بين أولئك الذين يقدّمون الصدقات في العالم أجمع.

- وليس هناك مجتمع في العالم بأسره يمكن أن يضاهي المجتمعات المسلمة فيما يخصّ العفاف والفضيلة لدى نسائه.

6 - الإعلام متحامل على الإسلام والمسلمين:

معظم وسائل الإعلام في بلاد غير المسلمين في يد من يعادي الإسلام، ولا تفتأ هذه الوسائل تبثّ وتنشر معلومات وصورًا مشوّهة بقصد الإساءة للإسلام والمسلمين. فتجدها تقدّم معلومات ومفاهيم خاطئة عن الإسلام، أو تنشر تصريحات بعض الشخصيات المعادين للإسلام، أو تنشر الأخبار المكذوبة أو المغلوطة عن المسلمين، أو تسارع لاتهامهم في كثير من الوقائع قبل تبيّن الحقائق!

أ - فوسائل الإعلام تلك تنقل لنا بين الحين والآخر مواقف شخصيات رسمية -وبعضهم بمستويات عالية وفي مناصب قيادية في دُولهم- وهم يحرّضون على الإسلام بطريقة أو أخرى، أو يحتفون بمن أساء للمقدسات الإسلامية وطعن فيها؛ ويبررون ذلك بأكاذيب مضلّلة عن الإسلام والمسلمين.

ب - وعندما تحصل جريمة مدوّية في مكان ما، فإنّ أصابع الاتهام تشير مباشرة وعلى نحو ثابت ودون أي دليل إلى المسلمين! ويتصدّر الخبرُ -مع تهمة الإرهاب- عناوينَ الصحف وقنوات الأخبار! وإذا ثبت في وقت لاحق أنّ الذي قام بتلك الجريمة من غير المسلمين، فإنّ الخبر يُعاد نشره كأيّ خبر عابر، أو يكون في الصفحات الداخلية للصحيفة!

ج - وإذا ما تزوّج رجلٌ خمسينيٌ مسلمٌ فتاةً عمرها 17 عامًا بعد أخذ رأيها وموافقة أهلها واكتمال أركان الزواج وشروطه؛ فإنّ الخبر يتصدّر الصفحات الرئيسة الأولى للصحف ويُنشر عبر وسائل الإعلام المتنوعة بشكل مشوّه، ولكن وسائل الإعلام نفسها لا تتحدّث عن الزنا الذي أصبح سلوكًا عاديًا في المجتمعات غير المسلمة! ولا تلقي بالًا لجرائم الاغتصاب التي تسجّل أعلى معدّلاتها في الدول غير الإسلامية؛ فاستنادًا إلى إحصاءات مراكز ومنظمات بحثية محلية ودولية متنوّعة: فإنّ أعلى معدّلات جرائم الاغتصاب حول العالم توجد في دول غير إسلامية مثل أمريكا وجنوب أفريقيا والسويد والهند وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وسيرلانكا وإثيوبيا، وتتحدّث تلك الإحصاءات عن عدد مرّات الاغتصاب التي تحصل في بعض البلدان والتي تصل إلى جريمة واحدة كل دقيقتين أو ثلاثة!

(1) متفق عليه: البخاري (حديث رقم 2753)، ومسلم (حديث رقم 351-206). 

(2) متفق عليه: البخاري (حديث رقم 2652)، ومسلم (حديث رقم 212-2533).

(3) رواه الترمذي (حديث رقم 2869) وحسّنه، وأحمد (حديث رقم 18881).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين