لماذا يفترق المسلمون إلى فرق ومذاهب مختلفة؟ (5-17)

سؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: إذا ما كان المسلمون يتّبعون قرآنًا واحدًا، فلماذا يفترقون إلى فرق ومذاهب مختلفة؟

الجواب:

الإسلام الحق هو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يتمثّل بالقرآن الكريم والأحاديث الصحيحة التي هي وحي من الله تعالى. ولكنّ الافتراق حاصل بين المسلمين كما حصل في الأمم السابقة، وهذا الافتراق على نوعين: افتراقٌ في أصول الدين ومبادئ الإسلام وركائزه وهذا بلا شك مذموم، وقد يصل الانحراف فيه إلى الخروج عن الإسلام وتكوين دين جديد. واختلافٌ في المسائل الفقهية ضمن مبادئ الإسلام وأصوله، وهذه الاختلافات قد تكون اختلاف تنوّع، وقد تكون اختلاف تضادّ، وبيان ذلك فيما يلي:

الانتماء يجب أن يكون إلى الإسلام:

انتماء المسلم يجب يكون إلى الإسلام لا إلى فرقة أو مذهب، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]. وهذا خبر بمعنى الأمر، أي قل: "إنني مسلم".

وكان الرسول -صلى اله عليه وسلم- إذا ما أملى رسالة ليبعث بها إلى الملوك والحكام من غير المسلمين يدعوهم فيها إلى الإسلام، كان يذكر فيها الآية الرابعة والستين من سورة آل عمران: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.

الإسلام ينهى المسلمين عن الافتراق:

يأمر الإسلام المسلمين بالاجتماع على الحق، وينهاهم عن التفرّق نهيًا قاطعًا، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. وحبل الله هو القرآن الكريم. والسبيل إلى ذلك يكون بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلّم، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59]. فالإسلام يوجب على المسلمين كافّة أن يتّبعوا القرآن والسنّة الصحيحة، وألّا يتفرقوا فيما بينهم، وأن تكون كلمتهم واحدة.

الإسلام بريء من الفِرَق والأحزاب التي تخالفه:

ينكر الله -تعالى- على من يفارق الإسلام الحق، فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الأنعام: 159]. 

وهو -سبحانه وتعالى- يأمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- بأن يتبرّأ ممن فارقوا الدين الحق, وكانوا فرقًا وأحزابًا وشيعًا, ويخبره أنّه ليس منهم ولا هم منه؛ لأنّ الصراط المستقيم هو الإسلام، وهو الحنيفية البعيدة عن الشرك: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 161]. 

وهؤلاء الذين افترقوا عن الإسلام الحقّ إنّما تفرّقوا واختلفوا نتيجة أسباب كثيرة كلّها مذمومة: كالجهل، والغلوّ، وإهمال سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم، والتعصّب الفكري أو السياسي، واتّباع الكفّار والتأثّر بهم وبعقائدهم، وقد يكون منشأ التفرّق هو إرادة تشويه الإسلام وتحريفه من قِبَل أعدائه من الداخل أو الخارج.

الإسلام الحق هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم:

بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ أمّته ستفترق كما افترقت اليهود والنصارى من قبل، وهو بهذا يحذّرهم من الافتراق ويخوّفهم من عاقبته، قال صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ) رواه أبو داوود (الحديث رقم 4597). 

وبيّن -صلى الله عليه وسلم- أنّ الفرقة التي ستنجو من العذاب هي (الجَمَاعَةُ) أي المجتمعة على الحقّ الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأصْحَابِي). أي المتّبعون لسنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وسنّة أصحابه -رضي الله عنهم- الذين عاشوا معه وتعلموا منه والتزموا بالإسلام الحق.

فكلّ من خالف جماعة المسلمين المتّبعين لسنّة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنّة أصحابه رضي الله عنهم، وافترق عنها في أصول الإسلام وعقائده، وخالفها في مبادئه وأسسه، فليس على الدين الحق، وتكون هذه الفِرَق في بُعدها عن الإسلام بمقدار مخالفتها لأصوله ومبادئه وأسسه وأركانه، فبعضها خرج عن الإسلام بالكلية، فلا يصح تسميتهم مسلمين، ولا هم يُسمّون أنفسهم مسلمين في الغالب. وبعض الفرق مازال في دائرة الإسلام لكن لديهم انحرافات كبيرة متفاوتة. 

الاختلافات المذهبية:

يقصد بالمذاهب: آراءُ وأقوالُ علماء الإسلام المشهورين في بيان أحكام الشريعة، واجتهاداتُهم فيما لم يرد فيه نصّ من المسائل المستجدّة التي حدثت بعد عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهذه المذاهب متنوعة، أشهرها المذاهب الفقهية الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي.

وهذه المذاهب متّفقة في العقيدة والأصول والشريعة؛ لذا يمكن تسميتها "مدارس فقهية"، ولكن قد تختلف قليلا في الأحكام المستنبطة، ودرجة الإلزام بها؛ نتيجة عوامل كثيرة لها اعتبار في الشرع. وهذان تنبيهان متعلقان بهذه المذاهب:

1- أنّ كثيرًا من اختلاف المذاهب هو اختلاف تنوّع، لا اختلاف تضادّ، بمعنى أن يكون الشرع قد ورد بعدّة كيفيات لأداء عبادة ما، فيأخذ أحد المذاهب بكيفية، ويأخذ المذهب الآخر بكيفية أخرى، أو يكون قد ورد في الحديث الأمر بفعل ما، فتختلف آراء المذاهب في المراد بالأمر هل هو للوجوب أو الاستحباب، ونحو ذلك.

2- في حال وجود اختلاف تضادّ، فهو ليس ناشئًا عن تعمّد مخالفة الشرع، لكنه ناتج عن خطأ في الاجتهاد نتيجة أسباب كثيرة ذكرها العلماء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) رواه البخاري (حديث رقم 7352) ومسلم (حديث رقم 1716). والعلماء جميعهم متّفقون على أنّ مرجعهم القرآن والسنة، وأنّ الحقّ أحقّ أن يُتّبع، وقد ثبت عن أئمة المذاهب الأربعة جميعًا قولُهم: "إذا صحّ الحديث فهو مذهبي".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين