لماذا نجد أكثر المسلمين أصوليين وإرهابيين؟ (4-17)

السؤال:

من الأسئلة الشائعة لدى غير المسلمين عن الإسلام: لماذا نجد أكثر المسلمين أصوليين وإرهابيين؟

الجواب:

كثيراً ما يجابَه المسلمون بهذا السؤال بحدّة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة خلال أي مناقشة تدور حول الدين أو القضايا والشؤون العالمية، فهناك صورة مشوّهة وأحكام مسبقة تساق دومًا ضد المسلمين في وسائل الإعلام، مصحوبة بكمٍّ كبير من المعلومات الخاطئة التي تُبَثّ عن الإسلام والمسلمين، وتؤدّي مثل هذه المعلومات الخاطئة والدعاية الزائفة في نهاية الأمر إلى التمييز وإلى إحداث حالات من العنف ضد المسلمين.

ومن الأمثلة الصارخة على ذلك: تلك الحملة الضارية ضد المسلمين التي شنتها وسائل الإعلام الأمريكية في أعقاب تفجير مبنى أوكلاهوما عام 1995م، حيث سارعت وسائل الإعلام للقول بأنّ هناك "مؤامرة شرق أوسطية" تقف خلف ذلك الهجوم، ولكن اتضح فيما بعد بأن المجرم الحقيقي لم يكن سوى جندي في الجيش الأمريكي!!

والآن دعونا نحلل هذه الفرية المتعلقة "بالأصولية" و"الإرهاب".

معنى "الأصولية"؟

- الأصولية في اللغة العربية تعني التمسك بالأصول، وهي القواعد الأساسية لمبدأ أو نظرية ما، وبهذا الإطلاق يمكن تسمية الطبيب الذي يحرص على تطبيق مبادئ مهنة الطب ويتمسك بقواعدها الأساسية: أصوليًّا. كما يمكننا تسمية من يتّبع جماعة عنصرية تؤمن بالتفريق بين الناس على أساس العرق أو اللون ويحرص على تطبيق مبادئها وقواعدها الأساسية في حياته: أصوليًّا !

- في بدايات القرن الماضي ظهر مصطلح "الأصولية" ليشير إلى فرقة من البروتستنت الأمريكيين تؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة في "الكتاب المقدس"، وترفض الواقع الذي كان يعيشه النصارى في ذلك الحين سواء من الناحية الدينية، أو الحياتية المعاصرة بكافة أشكالها، وربما لجأت للعنف كتعبير عن هذا الرفض، أو لفرض ما تؤمن به من معتقدات.

- الأصولية في الإسلام تعني: التمسك بثوابت الدين وأصوله المستمدة من القرآن والسنّة وما أجمع عليه علماء المسلمين إجماعًا يقينيًّا، وهي بهذا المعنى تشمل:

o أصول العقيدة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.

o وأركان الإسلام العملية من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.

o والأخلاق كالصدق والأمانة والحياء.

o والتشريعات الأخرى كحِلّ البيع وحرمة الربا، وحِلّ الزواج وحرمة الزنا، وغير ذلك.

وصف المسلمين بالأصولية بغرض التشويه:

في أعقاب الصحوة الإسلامية المعاصرة وعودة المسلمين للتمسّك بثوابت دينهم وأصوله؛ كان من أساليب محاربتهم: وصفهم بالأصوليين، وكان المراد بهذا الوصف: رميهم بالتخلّف والجمود والتشدّد والعنف! وقد أثّر هذا الأسلوب -المصحوب بتأييد الإعلام- في كثير من الناس، لدرجةٍ جعلتهم لا يعرفون مِنْ معنى الأصولي إلا (المسلم الإرهابي)!

معنى "الإرهاب":

الإرهاب في اللغة يعني الإخافة، مأخوذ من الرّهْب بمعنى الخوف. والإرهابي هو الشخص الذي يدخل الخوف والهلع في قلوب الناس.

ثم أصبح لفظ "الإرهاب" يطلق تحديدًا على كل من يسلك سبيل العنف لتحقيق غرض سياسي، فردًا كان أو جماعة أو دولة.

ثم -وبقصد محاربة الإسلام وتشويه صورة المسلمين- أصبح اسم الإرهاب يطلق على المسلمين دون غيرهم في كثير من الأحيان، سواء قاموا بعمل مشروع كالدفاع عن حقوقهم المسلوبة ومقاومة المحتل، أو لم يقوموا بأي عمل سوى الالتزام بشريعة الإسلام، وربما قام أحدهم ببعض التصرفات الخاطئة؛ فيعمم الوصف بالإرهاب على المسلمين جميعًا!

اختلاف الناس في إطلاق مسمى الإرهاب:

يختلف الناس في إطلاق مسمى الإرهاب على الآخرين، فيكون هذا الإطلاق صحيحًا في حال، وخاطئًا ومغالطة كبرى في حال آخر، ولنأخذ على ذلك مثالين:

الأول: اللص، فهو إرهابي لأنّه يخيف الآمنين عندما يتسلل إلى بيوتهم ويسرق أموالهم، أو يهدّدهم بالسلاح لسلبها، في حين أنّ هذا اللص يعتبر رجل الشرطة الذي يقوم على حفظ الأمن والقبض على المجرمين؛ يعتبره إرهابيًا؛ لأنّه يُصاب بالخوف والهلع عند رؤيته، وسوف يقبض عليه ويودعه السجن، أو يطلق عليه النار إن فرّ أو قاوم!

الثاني: المقامون لأجل نيل الحرية والاستقلال عن المستعمر، هم في عيون مواطنيهم أبطالٌ وطنيون، في حين تسمّيهم حكومات الدول المستعمرة أو المؤيدين لها من أبناء الوطن والذين يرون أنّ لها حقًّا في حكمهم؛ يسمّونهم إرهابيون.

في المثال الثاني نجد لفظين مختلفين أطلقا على الأفراد أنفسهم لقيامهم بالعمل ذاته؛ فئة تطلق عليهم لفظ الإرهاب، بينما تصفهم فئة أخرى بأنهم أبطال وطنيون! ومن ثمَّ فإنّه لا يصح إطلاق هذا الوصف إلا بعد إخضاع الموقف للتحليل، والنظر في النوايا والدوافع وراء تلك الأفعال والتصرفات، ومن ثَمّ الحكم عليهم في ضوء ذلك.

الإسلام دين السلام والعدل والجهاد:

الإسلام دين السلام، وهو يدعو المسلمين إلى المحافظة على السلم ونشره في كل أرجاء العالم، ويحذّر أشدّ التحذير من الظلم وإشاعة الرعب، ويعتبر قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعًا، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

لكن في الوقت نفسه: لا يرضى للمسلمِ بالذلّ، ويُوجب عليه أن يقاوم الظلم، وينتصر للمظلومين، وأن يستعدّ لذلك بالقوة التي تُرهب الأعداء وتوقفهم عند حدّهم وتمنعهم من التمادي في الباطل، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

الإرهابيون الحقيقيون:

في إجابته على اتهام المسلمين بالإرهاب قال الداعية الألماني بيير فوجل:

- مَنْ الذي أشعل الحرب العالمية الأولى؟ هل هم المسلمون؟

- مَنْ الذي أشعل الحرب العالمية الثانية؟ هل هم المسلمون؟

- مَنْ الذي ألقى بالقنبلة النووية على هيروشيما؟ هل هم المسلمون؟

- مَنْ الذي قتل عشرين مليونًا من سكان استراليا الأصليين؟ هل هم المسلمون؟

- مَنْ الذي أباد ما يزيد عن مئة مليون من الهنود الحمر في شمال أمريكا؟ وما يفوق خمسين مليون من الهنود الحمر في جنوب أمريكا؟ هل هم المسلمون؟

- مَنْ الذي أخذ ما يزيد عن مئة وثمانين مليونًا من البشر من إفريقيا كعبيد، مات منهم 77% في الطريق وقبروا في المحيط الأطلنطي؟ هل هم المسلمون؟

لا، ليس المسلمون ! 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين