ذهبوا إلى اليونان ..!

- سمعنا خبر وصول الشباب إلى حدود اليونان قبل أن نسمع خبر فتح الحدود، وفوجئنا بوجود المئات هناك حين لم نكن مصدقين أن الحكومة التركية فتحت الحدود أصلاً .!

- الشباب بعدها توافدوا بالآلاف .. بعضهم خرج من عمله إلى الحدود فوراً. لم ينتظر إذناً ، ولم يطلب أجره ، ولم يأخذ أشياءه.

- من المعيب أن نَصِفَ الشباب السوريّ بأنه مؤيد للأسد أو شبيح لمجرد وجود بعض المؤيدين في تركيا.

- إن حجم الضغوط التي يعيشها الشباب السوري في تركيا معيشياً ، تجعله يقوم بهذه الخطوة المتهورة دون اتخاذ أي تدبير .. وحتى لو فُتح له خط البحر أو خط الغابات ، الالاف سيذهبون . شدة الضغط عليهم تجعلهم يقدمون على الخطوة دون تفكير .

- من المعيب أن نقول: إن الشباب خرجوا لأوروبا كسلاً أو لأن هناك رواتب .. الشباب هنا يعملون 15 ساعة وأكثر ، ويعملون عملين ليلي ونهاري ، وبأجور زهيدة ، ودون ضمانات عمل ولا بيئة سليمة ، وبالكاد يجدون ما يتبقى معهم ليرسلوه لأهلهم في الداخل. أحدهم يأكل وجبة في اليوم ليبقي لأهله مئة ليرة آخر الشهر . مثله المئات .

وكثيراً ما يأتينا سوريون يعيلون زوجةً وأطفالاً، يطلبون عملا مقابل أجرة المنزل لا أكثر ..!

وكثيراً ما يطلب الشباب عملاً يحوي مبيتاً ، ولو كان الأجر زهيداً والعمل شاقاً وطويلاً.

- إن الكثير من هؤلاء الشباب كانوا يوماً ما مقاتلين ، أو معتقلين سابقين ، أو مصابين .. منهم من هُجّر من داريا أو الغوطة أو حمص ، ومنهم من كان فاعلاً وعاملاً في منطقته قبل أن يأخذها النظام ويهجّره منها، خروجهم لم يكن هرباً.

- لو كانت الحرب والمعركة فقط بين الثوار والنظام لما خرجوا ، ولما وصلنا إلى هنا أصلاً ، ولكن الحروب الإقليمية والصراع بين الدول الكبرى في سوريا أخرجنا من المعادلة.

- خروج الشباب من سوريا نحو أوروبا لا يعني هروبهم من القتال أو تنكرهم للثورة ، البعض مازالت الثورة بقلبه وأصبح يعمل لها بأريحية أكبر.

- حتى لو لم يكون الكثير من هؤلاء مع الثورة ، يكفي أنهم ليسوا مع جيش النظام ورفضوا أن يكونوا شبيحة أو جنوداً يقتلون أبناء وطنهم . أعرف أحدهم سيق إلى الجيش رغماً عنه من الطريق، حين وجد نفسه عند خط الجبهة أطلق النار على قدمه ليخرج من المعركة مصاباً رافضاً أن يقاتل أبناء وطنه.

- الظروف الصعبة التي يعانيها السوريون في تركيا فيما يتعلق بالأوراق الثبوتية أو أذونات التنقل أو العنصرية أو غلاء المعيشة وارتفاع أجار البيوت وكثرة الالتزامات وشحّ الرواتب وقلّة العمل ، تجعل خيار الذهاب إلى أوروبا أهون الشرور ، ولو وجد هؤلاء فرصة متوسطة وليست جيدة ما اظنهم يخرجون من تركيا.

- كلنا نشعر بحالة لا أمان مستمرة، فنحن نحمل جواز سفر النظام، وأوراق إقاماتنا في تركيا كلها بلا استثناء مؤقتة، والتغيرات السياسية لا تعرف حرباً ولا سلماً، لذا تبقى أوروبا أكثر أماناً لهم ولأسرهم على المدى البعيد .

- لا يمكننا أن نتجاهل في ظل هذا حجم العنصرية الهائل أيضاً ، فهذا بشقيه الشعبي والقانونيّ يساهم أيضاً باختيار الشباب لهذا الخيار الصعب.

- معرفة الظروف ليست خلق مبررات، ولكن الحالة التي أوصلت شباب بلدي ليختاروا هذا الخيار محزنة بل مؤلمة ومبكية .. ويحزنك أن ترى الشباب يقدمون على خطوة أسميها أنا متهورة وغير مأمونة ولا أشجع عليها ولا أنصح بها وأسأل الله ألا أجبر عليها، ولكني أتعاطف بشدة مع هؤلاء وأتنمى لو تُخلق الظروف التي تمنحهم فرصة البقاء في بلد أحبه وأحب شعبه كتركيا، فضلاً عن الأمنية بالعودة العاجلة إلى بيوتنا ومدننا.

- لا يمكننا في ظل المعارك التي تجري في الداخل السوري أن نلوم الشباب وأن نكرر عبارة بعض الاخوة الأتراك (انتم هنا وجيشنا يحارب بدلاً عنكم) .. الجيش التركي يقوم بمهمة على مستوى الأمن القومي لتركيا، وضمن المصالح التركية الاستراتيجية، وكون المصالح تلاقت مع مصالحنا فهذا نسرّ به، ونتمنى لهذه المعارك أن تنتهي بانتصار الأتراك وسحق الجيش الأسدي ودحره إلى أبعد من مجرد اتفاق سوتشي. ولدينا أمنية (الأمل فيها ضعيف) أن يكون المآل لهذه المعارك يشمل مصالح الشعب السوري، ويساهم في زوال الاسد، ولا يقتصر عند مصالح الاخوة الأتراك، وهم منا ونحن منهم ما بقيت الأمور هكذا، وندعو لهم بالنصر ، وأن يسدد الله رميهم ، وأن يحمي مقاتليهم ، وأن يدحر عدوهم ، وأن نستمر نرى الفيديوهات الجميلة بالابيض والاسود .

- لا يمكننا مهما كان موقفنا من الأحداث، ومهما أحببنا تركيا وشعبها، لا يمكننا تجاهل فكرة استخدامنا وقوداً في اللعبة السياسيّة بشكل سيّء وغير منطقيّ وغير مقبول، فكرة فتح الحدود لأجل ممارسة ضغط سياسيّ أول ما يدلل إنما يدلل على أن الظروف المعيشيّة السيئة التي تُفرض علينا إنما هي جزء من اللعبة السياسية وليست طبيعة بلد ولا قوانين ناظمة ، وقد خُلقت الظروف والضغوط السيئة بوجهنا حتى يكون استخدامنا أكثر سهولة بهذه الطريقة السيئة، وليصبح من السهل العبث بإنسانيتنا المحطمة وظروفنا المأساوية حين تحتاج الحكومة التركية لورقة تعبث بها.

- ما أسوأ أن يكون الإنسان ورقة للعبث بين مصالح الدول.

- أسوأ من هذا حين يُقال لنا صباح مساء أن الاحتفاظ باللاجئين مغلّف بغلاف الدين والإنسانية ، ثم تسقط هذه الورقة عند أول مطب سياسيّ.

- من المهم أن نذكر أن الغالبية العظمى من اللاجئين الذين وصلوا الحدود اليونانية كانت لهجاتهم وسحنتهم تبدو جلياً أنهم ليسوا سوريين، ومع ذلك تم إبراز السوريين فقط. (أغلب الفيديوهات رأيت فيها إخوة أفغان وعراقيون وغيرهم).

- تَبِعَ هذا الاعلان فوراً انتشار هاشتاغ غرد به الآلاف، حمل عبارة (لا نريد السوريين) ويمكنك أن تجد حجم العنصرية لمجرد برزت قضية السوريين إلى الواجهة، وقد بدا واضحاً أن هذه الحملات ليست عشوائيّة وأنها جزء من اللعبة السياسية، وهي ليست المرة الأولى التي تتماهى الحملات العنصرية مع القرارات الحكومية والخيارات السياسية. ولذا فإن الأصوات التركية المنصفة والواعية والإنسانيّة تضيع ولكننا نستطيع رؤيتها رغم قلتها.

- لعلّ أسوأ مَن سقطوا في هذه اللعبة وبانت سوأتهم وبرزوا في قاع الحضيض الذي يحيط بنا، إنما هم حفنة قليلة من اللاجئين السابقين الذين ما إن وطأت أقدامهم تلك البلاد حتى قرروا أنها أتخمت بهم، وأنها لم تعد تتسع لغيرهم، وأنها بلاد تعاني من (ضغوط اللاجئين)، وأن الرزق الوفير الذي تنعم به تلك البلاد سينقص عليهم، وأن وصول الباقين سينغص عليهم عيشتهم.. إلى آخر هذه الاسطوانة التي سمعنا بها . هؤلاء هم في قاع القاذورات التي برزت للسطح مؤخراً.

- أخيراً ، أمنيتي هي النصر للثورة والعودة للوطن ، فالغربة لا أقسى منها إلا ظلمات القبر ، وطالما بقيت الحرب مشتعلة في بلادنا والنظام الطاغية يتحكم بالعباد والبلاد ، فإن أيّ خيار غير منطقي يقدم عليه أيّ أحد يبقى هو الأكثر منطقية في ظل اللامنطقيات التي تحكمنا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين