مختارات من تفسير

{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33]

السؤال الأول:

ما أحرف النداء التي استعملت في القرآن الكريم ؟

الجواب:

1ـ المنادى هو المطلوب إقباله بحرف نداء ظاهر أو مقدر.

2ـ وحروف النداء في اللغة هي [يا ـ أيا ـ هيا ـ آ ـ أي ـ الهمزة]، ولم يرد في القرآن الكريم سوى الحرف (يا).

3ـ الحرفان [ أيا ، هيا ] ليسا إلا [ يا ] مسبوقة بالهمزة أو الهاء.

السؤال الثاني:

ما دلالة لفظة : {كُنتُم} [البقرة:33] في آية البقرة 33؟

الجواب:

الآية موضع السؤال: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] جاءت بعد الآية: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] ولِمَ لمْ يقل في غير القرآن: (يعلم ما تبدون وما تكتمون)؟ 

1ـ هذا الذي جرى في الملأ الأعلى يليق بذلك الموضع ولا ندري على وجه التحديد ما المراد بتلك العبارات التي قيلت وما المراد بهذه الأسماء التي سُئِلَ عنها؛ لأنّ الإشارة كانت بصيغة العقلاء فما الذي عُرِض أمام الملائكة؟ وما الذي سئل عنه الملائكة؟ ما عندنا خبر صحيح عنه، وهو وقع فعلاً، وكان اختباراً للملائكة، وفي الوقت نفسه كان اختباراً لآدم .

2ـ لمّا طلب الله من الملائكة: {أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31] أعلنوا عجزهم وقالوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ} [البقرة:32] أي: ما عندنا علم إلا الذي علمتنا إياه .

3ـ عند ذلك قال تعالى: {قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ} [البقرة:33]، هذا الإنباء الذي بُنيَ على التعليم {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]، والتعليم هنا قد يراد به التلقين؛ حيث إنّ آدم عليه السلام لُقِّن؛ أي: حُفِّظ، وهو لديه في دماغه خلايا متخصصة للغة فاستقبلت هذا الذي حُفِّظَ إياه واستطاع أنْ يسترجعها عندما احتاج إليها، فبدأ آدم يتكلم ويخبر بهذه بالأسماء، إذن آدم نجح في الاختبار الذي لم ينجح فيه الملائكة؛ لأنّ الملائكة غير مهيئين للخلافة في الأرض، وأهم ركيزة من ركائز الخلافة في الأرض اللغة.

4ـ الملائكة عندما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة:30] هذا القول كان فيه شيء من الإحساس أنهم هم أفضل من هذا المخلوق، هذا في داخلهم ولم يصرحوا به .

والملائكة في داخلهم كأنما أحسوا أنهم أميز من هذا المخلوق ولما أُمروا بالسجود سجدوا طاعة لله.

لكن لأنه سيكون من ذرية هذا المخلوق من يفسد؛ربما يكون قد دخل في نفس بعضهم أنهم أميز منه وأفضل، وهذا الذي أشير إليه في: {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33] أي: في نفوسكم شيء مكتوم في صدوركم لم تصرحوا به، وما كانوا يعتقدون أنهم كتموه عن رب العزة.

5ـ وعندما ننظر في الآية نجد حذفاً مقدراً؛ لأنه لمّا قال الله عز وجل: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ} [البقرة:33] دلَّ على شمول علم الله سبحانه وتعالى لكل الجزئيات ولكل دقائق الأمور، وكما يقول العلماء عن علم الله سبحانه: (يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن وما لو كان سيكون، كيف كان يكون) هذه كلمة قديمة لعلمائنا لبيان عظيم علم الله سبحانه وتعالى وشموله وسعته، فعلم الله سبحانه وتعالى شامل. 

لذا قال علماؤنا بوجود الحذف المقدر في قول الله تعالى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ}[البقرة:33]، فالذي يعلم الغيب يعلم الشهادة من باب أولى ؛ أي أن هنالك حذفاً، وتقدير المحذوف: (أعلم غيب السموات والأرض وأعلم شهادتهما، وأعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، ويقابله :وما تكتمون الآن وفي المستقبل). 

6ـ هي إذن ثلاث صور: 

آ ـ أعلم غيب السموات والأرض، والحذف (وأعلم شهادتهما). 

ب ـ والثانية: أعلم ما تبدون الآن وفي المستقبل، وما تكتمون الآن وما تكتمون في المستقبل.

ج ـ والثالثة : وما كنتم تكتمون وما كنتم تبدون في الماضي. 

7ـ إذن {كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] أخذت الحيز الثالث من الكتمان في الماضي؛ ولذلك جاءت: {كُنتُمْ} لأنّ تبدون في الحاضر وما كنتم تكتمون في الماضي.

8ـ فإذن مجيء {كُنتُمْ} أشارت وأشعرت بهذا الحذف الموجود في المكانين؛ حتى تستكمل صورة معرفة علم الله سبحانه وتعالى.

والله سبحانه وتعالى يعلم غيب السموات والأرض ويعلم شهادتهما، ويعلم ما تبدي الملائكة الآن وفي المستقبل وما تكتم الآن وفي المستقبل.

من أين علمنا (تكتم)؟ من {وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33] وما كنتم تكتمون في الماضي وما كنتم تبدون .

من أين علمنا (ما كنتم تبدون)؟ من وما تبدون الآن، كل واحدة صار فيها هذا الحذف.

فإذن مجيء {كُنتُم} هو الذي أرشد إلى هذا الفهم العام الشامل الذي فهمه علماؤنا و فهمه العربي أيضاً.

9ـ هذا التفصيل مراد؛ لأنهم أبدوا شيئاً وكتموا شيئاً، والكلام عن غيب السموات والأرض كلام عام، لكنّ الملائكة بخصوصيتهم أبدوا شيئاً {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:30] هذا أبدوه وبعضهم - كما قال علماؤنا - كتم شيئاً في نفسه ما صرّح به: وهو أنّ هذا المخلوق الذي سيفسد نحن أكرم منه؛ لأننا نحن لا نفسد والآيات لم تفصح، لكن ما معنى: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}  [البقرة:30] في مقابل: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا} [البقرة:30] ؟ 

الملائكة لا ينكرون ولا يعترضون؛ لأنه معلوم من صفتهم عدم الاعتراض فهو شيء حاك في نفوسهم وأظهره بعضهم في العبارة فلا بدّ من الجمع بين الآيات والفهم في ضوء نسق الآيات، ونحن لا نتألّى على الله أوعلى العبارة القرآنية، لكنّ هذا الذي يُفهم.

الملائكة قالوا كلاماً، وهذا الكلام لا يمكن أنْ يدخل في إطار الاعتراض على موقف أو حكم الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وليست لديهم القدرة على المحاجة والمناقشة وهذه قدرة الإنسان خلقه الله تعالى على هذا، أمّا هم فلا يناقشون ولا يحاجون ، وإذا ما نظرنا في العبارة فهمنا ما ذكره علماؤنا. والله أعلم .

***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين