ورقات في تاريخ القدس وفلسطين (4)

فلسطين في العصر الأموي والعباسي 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد.

عيَّن عثمان بن عفان رضي الله عنه معاوية بن أبي سفيان والياً على الشام، وكان معاوية رضي الله عنه يتولى الإمامة والخطابة في المسجد الأقصى أحياناً، ولـمَّا آلت إليه الخلافة؛ نودي له بالبيعة في القدس، كما أن البيعة أخذت لأكثر من خليفة أموي في المسجد الأقصى، على ظهر الصخرة، منهم: الوليد بن عبد الملك، وأخوه سليمان.

بعد أن آلت الخلافة الأموية إلى عبد الملك بن مروان؛ اهتمَّ بعمارة المسجد الأقصى اهتماماً كبيراً، وكذا فعل ابنه الوليد من بعده، فقد وجَّه عبد الملك بن مروان الأموال لبناء مسجد قبة الصخرة، ووكل على ذلك: رجاء بن حيوة، ويزيد بن سلام، وجمع لذلك الصناع من أطراف البلاد، وأمر رجاءَ بن حيوة ومن معه أن يفرغا الأموال على المسجد، ولا يتوقفا فيه، فبثوا النفقات وأكثروا، وبنوا القبة؛ فجاءت من أحسن البناء، وفرشاها بالرخام الملون، وعملا للقبة جلالين: أحدهما من اليود الأحمر للشتاء، وآخر من أدم للصيف، وحفَّاها بأنواع الستور، وفرشاها والمسجد بأنواع البسط، وأقاما لها سدنة وخداماً بأنواع الطيب والمسك، والعنبر والزعفران، وكان الرجل إذا رجع من بيت المقدس إلى بلاده؛ توجد منه رائحة المسك والطيب والبخور أياماً، ويعرف أنه قد أقبل من بيت المقدس، وأنه دخل الصخرة، وما يزال مسجد قبة الصخرة قائماً معروفاً إلى يومنا هذا، ذو قبة ذهبية، في قلب السور القديم للمسجد، الذي يضم نحواً من ميئتي مَعْلم، بين مسجد، ومأذنة، ومصطبة، وغيرها. 

بنى عبد الملك بن مروان ما يعرف اليوم بالمصلى المرواني، وكان يطلق عليه التسوية الشرقية، والمقصود منها: تسوية هضبة المسجد الأقصى؛ ليتسنى بناء المسجد على أرض مستوية. يقع المصلى المراوني في الجهة الجنوبية الشرقية داخل سور المسجد الأقصى، ويتكون من (١٦) رواقاً، ويعدُّ أكبرَ مساحقة مسقوفة داخل المسجد الأقصى اليوم، خُصص زمن عبد الملك بن مروان لدراسة الفقه، والعلوم الشرعية، وظل عامراً كذلك؛ إلى أن استولى الصليبيون على القدس عام: (492 ه)؛ فحولوا هذه التسوية إلى اسطبلات لحيواناتهم، ومخازن لأسلحتهم، ولـمَّا فتح صلاح الدين الأيوبي بيت المقدس عام: (583 ه)؛ أعادها لـما كانت عليه سابقاً، ثم هُجر هذا المكان سنوات طويلة؛ إلى أن أطلق الشيخ: رائد صلاح نداءً لإعادة إعمار الأماكن المقدسة، فأعيد ترميم المصلى المرواني، وأُعدَّ للصلاة، وذلك عام: (1996)، بإشراف هيئة الأوقاف، ولجنة الإعمار في المسجد الأقصى. 

ضرب زلزال بيت المقدس عام: (131 ه) أواخر العهد الأموي، أدى لتهدم الجزء الشرقي والغربي من المسجد؛ ولـمَّا زاره الخليفة العباسي: أبو جعفر المنصور، عام: (141 ه)؛ أمر بإعادة بنائه وترميمه، وبعد ذلك ضرب المسجدَ أكثرُ من زلزال، كان الخلفاء العباسيون يقومون على إصلاح ما تهدم منه، وقد عمَّ الأمنُ بيت المقدس زمن الخلفاء العباسيين، في عصورهم الزاهية. 

وقد استولى الفاطميون العبيديون على بيت المقدس، ثم استرده منهم القائد السلجوقي: ألب أرسلان، ثم استطاعوا الاستيلاء عليه مرة أخرى، وظلَّ في إيديهم حتى مجيء الحملة الصليبية الأولى عام: (491 ه).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين