لماذا لا نترحم على الظلمة والفسقة المجاهرين؟

روى البخاري (7150) -واللفظ له-ومسلم (142) عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:

(ما مِن عَبْدٍ اسْتَرْعاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْها بنَصِيحَةٍ، إلَّا لَمْ يَجِدْ رائِحَةَ الجَنَّةِ).

وروياه بلفظ:

(ما مِن والٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ المُسْلِمِينَ، فَيَمُوتُ وهو غاشٌّ لهمْ، إلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عليه الجَنَّةَ).

وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في بيتها:

( اللهم منْ ولي من أمر أمَّتي شيئا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به).

وروى الحاكم وقال:صحيح الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من ولي من أمر المسلمين شيئًا فأمّرَ عليهم أحدًا محاباة فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يدخله جهنم»

وإنا نشهد يا ربنا أن هذا الهالك اليوم قد شقَّ على أمة حبيبك وغشَّهم وولى عليهم كثيرًا من الفاسدين المفسدين وفعل وفعل وقتل وظلم ووالى أعداء الأمة، ونهب ومن معه أموال المسلمين، وأفقر المستضعفين، وأشرع الأبواب للفاسقين والمتصهينين...

فعامله بعدلك وافعل به ما هو أهله إنك الحكم العدل لا إله إلا أنت..

رد شبهات في الترحم على الظلمة العتاة:

سيقال: إن لم تترحم عليه فأنت تكفيري حركي من الخوارج.

فنقول: وهل القسمة ثنائية: إما أن تترحم على الظالم القاتل الفاسق المجاهر بفسقه الذي دمر أمة من المسلمين وأفسد العباد والبلاد وفعل وفعل...أو تكون من التكفيريين الحركيين ؟!

لا.. ليست القسمة ثنائية..

فثم احتمال ثالث وهو تشنيعك على الظالم الفاسق المجاهر ولهجك بالدعاءالنبوي: (اللهم اشقق عليه) ونشرك حديث النبي صلى الله عليه وسلم:( ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة) تروي الحديث على إطلاقه..وإن كنت لا تحكم على ذلك الظالم بعينه بالخلود في النار ما دام غير جاحد لشرع الله ولا معتقد أفضلية غيره من القوانين عليه ولا منكر لمعلوم من الدين بالضرورة.

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة شطرا طويلا من حياته بالمدينة لا يصلي على من مات من الصحابة وعليه دين لم يوفَّ لصاحبه، روى البخاري (٢١٦٩)عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال:

كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة، فقالوا: صل عليها، فقال: هل عليه دين؟ قالوا: لا ،قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: لا، فصلى عليه.

ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا: يا رسول الله صل عليها، قال: هل عليه دين؟ قيل: نعم، قال: فهل ترك شيئا؟ قالوا: ثلاثة دنانير، فصلى عليها.

ثم أتي بالثالثة فقالوا: صل عليها، قال: هل ترك شيئا؟ قالوا: لا ،قال: فهل عليه دين؟ قالوا: ثلاثة دنانير، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: صل عليه يا رسول الله وعلي دينه، فصلى عليه.

قال الحافظ ابن حجر في الفتح:

زاد الحاكم في حديث جابر : " فقال : هما عليك وفي مالك، والميت منهما بريء؟ قال : نعم . فصلى عليه ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقي أبا قتادة يقول : ما صنعت الديناران؟ حتى كان آخر ذلك أن قال : قد قضيتهما يا رسول الله، قال : الآن حين بردت عليه جلده ".

قال القاضي أبو بكر ابن العربي في العارضة: (وامتناعه من الصلاة لمن ترك عليه ديناً تحذيراً عن التقحم في الديون لئلا تضيع أموال الناس؛ كما ترك الصلاة على العصاة زجراً عنها حتى يجتنب خوفاً من العار ومن حرمان صلاة الإمام وخيار المسلمين).

فما ظنكم بمن نهب أموال المسلمين هو وحاشيته وأفقر المستضعفين؟!

إن الناقد بصير، والله سيحاسب على القليل والكثير والنقير والقطمير:( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).

كأنكم تقولون لكل ظالم مجرم وكل فاسق وفاسقة بعده: اعمل ما شئت، وافسق ما شئت، واقتل من شئت، واظلم ما شئت ، وانهب من أموال الأمة ما شئت، وأفقر من شئت، وأذل الشعب ودس على كرامته وسلط علينا كلابك ومرتزقتك وتنعم في الدنيا بالقصور والدور أنت وحاشيتك وزبانيتك ولا تخش منا شيئا فلن نثور عليك في حال حياتك ولن ندعو عليك بعد هلاكك.. وإن قام منا من يذمك ويذكر مساويك ويدعو عليك بما أنت أهله سلقناه بألسنتنا وأخرجناه من قريتنا إنه من قوم فيهم بقايا إنسان حر كريم لا يعشق جلاده مثلنا.

سيقال لك: كان قائد القوات الجوية التي شاركت في انتصار حرب العاشر من رمضان…

فنقول: وهل هذه الحرب غزوة بدر التي يقال لصاحبها: افعل ما شئت فقد غفر الله لك؟! حاشا وكلا..

وهل نسينا هذا الحديث الذي يرويه البخاري (4234) ومسلم (115) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:

خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم إِلى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ الله عَلَيْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبا وَلاَ وَرِقا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ وَالطَّعَامَ وَالثِّيَابَ.

ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم عَبْدٌ لَهُ، وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبيْبِ.

فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِيَ قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و سلم يَحُلُّ رَحْلَهُ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ.

فَقُلْنَا: هَنِيئا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ .

قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: «كَلاَّ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَاراً، أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ».

قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: (شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ من نار).

وروى مسلم (114) عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ:

لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فُلاَنٌ شَهِيدٌ. حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: فُلاَنٌ شَهِيدٌ.

فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: «كَلاَّ. إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ؛ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ».

ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و سلم: «يا ابْنَ الْخَطَّابِ! اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ».

قَالَ: فَخَرَجْتُ فَنَادَيْتُ: «أَلاَ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ».

أين أنتم يا جامية الصوفية ويا جامية السلفية من هذه الأحاديث؟!

هل صرتم مرجئة مع الحكام خوارج مع الشعوب الثائرة المستضعفة المستفزة؟!!

سيقال: قد تاب وأناب..

فنقول: وهل نسينا بهذه السرعة شروط التوبة إن كانت المعصية تتعلق بحقوق العباد كالدماء والأموال والأعراض؟! لماذا نهدر الشرع ونهيل على ما نقرؤه وندرسه التراب ونتبع العواطف؟!

فمن المعلوم أن التوبة من هذه المعاصي يشترط فيها رد الحقوق إلى أهلها أو عفو أصحابها عمن ظلمهم فيها..فهل رد هذا الهالك هو وحاشيته الأموال المنهوبة والمختلسة إلى بيت مال المسلمين؟! هل أعاد هذا الهالك الحقوق إلى أهلها؟! هل عفا عنه من وقع عليه ظلمهم؟ هل استسمحهم أصلا؟! بل هل يرى ننفسه ظالما لهم قبل ذلك؟!! ما لكم كيف تحكمون!!

سيقال: لعله تاب فيما بينه وبين الله وما تدري ما الذي ختم الله له.

فنقول ما قاله سيدنا عمر ورواه البخاري في صحيحه عنه:

(إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ).

سيقال: ارحم عزيز قوم ذل، ولا شماتة في الموت.

فنقول: ذكرتموني بيوسف بن تاشفين رحمه الله حيث قال لمن طالبه برحمة المعتمد بن عباد:(يقولون: "لنرحم الرجلَ، فقد كبر سنُّه وذهبت دولتُه ولم يعد يملك من الأمر شيئا!"

وما سلّم حتى قَتَل منا نفرًا كثيرًا، وقد لقينا منه ما لم نلق من الروميّ وجيشِه، فما بالكم تذكرون آخرَ الأمر ولا تذكرون أوّلَه، وتذكرون العاقبةَ وتنسون الأسبابَ؟! يتشفّعون لي فيه ويقولون: "ارحموا عزيزَ قوم ذل!" وما ذُل حتى أَذَلَّ، وإنما إذلاله إذلالُ رجلٍ واحدٍ، وكان ذله ذل أمّة بأكملها» ا.هـ.

سيقال: اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم، ولا تسبوا الأموات فقد أفضوا إلى ما قدموا.

فنقول ما قاله الإمام النووي رحمه الله:(النَّهيُ عن سَبِّ الأموات هو في غَير المُنافِق وسائر الكفار، وفي غَير المُتظَاهِر بفِسق أو بدعة، فأمَّا هؤلاء فلا يَحرم ذِكرهُم بِشَرٍّ للتحذير مِن طريقَتهم ومِن الاقتداء بآثارهم والتَّخَلقِ بأخلاقهم).

سيقال ويقال ولكن لا تنس أن الأمة ستبقى غارقة في ثالوث الفقر والجهل والتخلف وستبقى ذليلة تابعة لأعدائها ما دام أمثاله يحكمونها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين