ورقات في تاريخ القدس وفلسطين(2)

 فلسطين قبل الإسلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد. 

فقد سكن العرب الفينيقيون ساحلَ البحر على أرض فلسطين قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، ثم جاءت بعدهم قبائل العرب الكنعانيين؛ فسكنت ضفةَ نهر الأردن الغربية، مُنسابةً إلى البحر المتوسط، وذلك بعد مجيء الفينيقيين إليها بنحو خمسمائة سنة، ولذا كانت تسمى بـ (أرض كنعان)، كما سكنتها قبائل من جزيرة (كريت) تسمى قبائل (فلستين)، واختلط أولئك الوافدون الجدد بالكنعانيين وغيرهم، وسميت المنطقة بعد ذلك بـ (فلسطين).

كان نبي الله إبراهيم عليه السلام يعيش في العراق موطنه الأصلي، وبعد كفرِ قومِه بدعوته؛ هاجر وزوجتَه سارة، وابنَ أخيه لوط وغيرهم إلى أرض كنعان، عابرين نهر الفرات، ومن هذا العبور أطلق فيما بعد على بني إسرائيل اسم: (العبرانيين)، وفي أرض كنعان أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام "إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك؛ فابتنى إبراهيم مذبحاً لله؛ شكراً على هذه النعمة، وضرب قبته شرقي بيت المقدس" وهذه الأرض هي بيت المقدس التي بني فيها المسجد الأقصى فيما بعد. بنى يعقوب عليه السلام في عهده معبداً على القبة التي اتخذها إبراهيم للعبادة، وصار مكانَ عبادة بني إسرائيل؛ إلى أن خرجوا إلى مصر، حيث يوسف عليه السلام، واستوطنها بعدهم الوثنيون، ثم أقام بنو إسرائيل في مصر إلى أن تسلط عليهم الفراعنة، ثم بعث الله إليهم موسى عليه السلام، وبدأ تعلق بني إسرائيل بالأرض المقدسة.

لـمَّا أغرق الله فرعون، ونجى موسى وبني إسرائيل؛ دعاهم موسى عليه السلام لدخول بيت المقدس، وتطهيرها من الوثنيين؛ فنكل بنو إسرائيل، وقالوا لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24)} [المائدة: 24]؛ فكتب الله عليهم التيه في صحراء سيناء أربعين سنة، وفيها بنى موسى عليه السلام قبة الزمان، التي كان يناجي فيها الله تعالى. بعد أن انقضت مدة التيه؛ قاد يوشع بن نون عليه السلام بني إسرائيل، ودخل بهم الأرض المقدسة، وأقام تلك القبة على صخرة المسجد، واتخذوها قبلة، فلما بادت صلوا إلى الصخرة، وصلى إليها الأنبياء من بعدهم، وكانت قبلة المسلمين الأولى؛ إلى أن ولَّى الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة.

استولى العماليق على بيت المقدس بعد يوشع بن نون؛ طلبت بنو إسرائيل من نبيهم (صموئيل) أن يبعث لهم ملكاً، يقودهم في حرب العماليق؛ فملَّك عليهم طالوت، وكان في جيشه داود عليه السلام، الذي استطاع أن يقتل جالوت قائدَ جيش العماليق، ويفتح بيت المقدس؛ فتهيَّأ الأمر بعد ذلك لدواد، وصار ملكاً على بني إسرائيل، وأخذ يعدُّ لبناء المسجد الأقصى (الهيكل)، ولكنَّ المنية عاجلته قبل ذلك؛ فقام ابنه سليمان عليه السلام بعده ببناء (الهيكل)، كما صحَّ بذلك الحديث عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وظلَّ المسجد قائماً بعده؛ إلى أن حاد أهله عن دين أنبيائهم؛ فسلط الله عليهم بختنصر، فاستولى على فلسطين، وسبى أهلها، ودمّر مسجدها (الهيكل)، وكان ذلك التدميرُ الأول له. 

أعاد اليهود بناء المسجد الأقصى مرة أخرى بعد أن استولى الفرس على فلسطين، وظلوا تحت حكمهم؛ إلى أن استولى الأسكندر عليها، وتعاقب بعد ذلك على فلسيطن البطالسة، والرومان الذين جددوا بناء المسجد (الهيكل) بعد أن هرم، وظل المسجد قائماً حتى بعث الله أنبياءه: زكريا وابنه يحيى، وعيسى بن مريم، عليهم السلام، وقد دلَّت نصوص الكتاب والسنة على أن المسجد كان قائماً زمنهم، وظل كذلك؛ إلى أن أقدم (طيطش) أحد ملوك الروم بعد زمن عيسى عليه السلام على تدمير بيت المقدس، بما في ذلك المسجد (الهيكل)، وكان هذا هو التدمير الثاني له، وظلَّ حال المدينة كذلك حتى وقعت حادثة الإسراء بنبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين