هل سيدخل الكافر الجنة ؟!

حَسْمُ الجدالِ حول دخولِ الدكتور مجدي يعقوب إلى الجنّة ، وللعلم ، إنَّ الدكتور مجدي يعقوب هو طبيبٌ من مصر الحبيبة ويَدينُ بالديانة المسيحيّة ، وهو من أشهر جراحي القلب في العالم ، جزاه الله خيراًعلى خدماته الجليلة التي قدّمها للبشريّة ( وأبواب الخير عند الله كثيرة )

هناك حربٌ شعواء على وسائل التواصل بين الذين يُدخلون الدكتور مجدي يعقوب إلى الجنّة وبين الذين لا يدخلونه ، ووصلت هذه الحرب إلى السباب والشتيمة وزحفت إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير !!!

وكي لا نكون جزءاً من هذه الحرب الهوجاء أقول : 

بدايةً يجب أن نتفّق على المسؤولية المباشرة لدخول الخلق إلى الجنّة أو النار ، هل هي بيد الخلق أم بيد ربّ الخلق وإلٰهِهم ؟! ثم بعد ذلك يجب أن نتفق على ثوابت العقيدة في الأديان السماوية ، وعلى ضوء هذا الإتفاق نُطلق الحكم النظري ونترك أمرَ التطبيق لمن بيده الأمر فهو ربّ الخلق وهو أدرى بخلقه .

وعليه أقول : 

ليس بيد أحدٍ من الخلق أنْ يُدخل أحداً من الخلق إلى الجنّةِ أو إلى النار فهذا الأمر ليس من اختصاص الخلق بل من اختصاص الخالق الإلٰه مالك هذا الكون ، ومالكِ الجنّةِ والنار ، وبالتالي فإنّ الحديث عن هذا الأمر لا يتعدّى حدود الحكم المُرتبط بالعقيدة 

ولكي لا يكون هذا الصراع صراعاً يشبه صراع الأطفال عندما يتنافسون على الأفضليّة بين آبائهم فهذا يقول : أبي أحسن من أبيك ، فيردُّ عليه الثاني : لاااااا … أبي أحسن من أبيك ، وكلاهما يعتمد في تفضيله لأبيه على سذاجته وطفولته ، أقول : 

-إنَّ من ثوابت العقيدة في الدين المسيحي أنَّ من لا يؤمن بأنّ المسيح هو إبنُ الله وروحه ، وأنّ مَن لا يؤمن بصلب المسيح ، وأنّ من يؤمن بخلاف ذلك فهو كافر … وهناك مقابلةٌ بالصوت والصورة تجمع بين الشيخ الجفري وبين رئيس الكنيسة القبطية في مصر يقول فيها القسيسُ هذا الكلام ( وهو أعلى هيئة دينية مسيحية في مصر ) وهو لا يقول هذا الكلام بطريقةٍ رمزيّةٍ أو بتَوْريةٍ ، بل يقول صراحةً : إن من لا يؤمن بالدين المسيحي فهو كافرٌ .

كما أنّه يوجد محاضرةٌ على اليوتيوب لأحد القساوسة في مصر واسمه داوود لمعي وهي موجودة بالصوت والصورة ، حيث يقول هذا القسيس : إنَّ مَن لا يُؤمن بالدين المسيحي فليس له في السماء نصيب ، ولا يمكن أن يدخل في ملكوت الله لأنّه لم يؤمن بتعاليم المسيح والمقصود من كلمة ملكوت الله هو الجنّة ( ولا أقول هذا تأويلا لكلامه ولكن توضيحاً لما قاله في المحاضرة , ولولا أن يطول المقال لذكرت لكم كلَّ المقابلة )

-كما أنّ من ثوابت العقيدة في الدين الإسلامي أنّ الكافر هو كلُّ من أنكر وجودَ الله أو أنكر وحدانيّته ، أو أشرك معه أحداً أو جعل له ولدا 

{ لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم } سورة المائدة ، آية ٧٢

{ لقد كفر الذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة } سورة المائدة ، آية ٧٣

ومن ثوابت العقيدة في الدين الإسلامي أنَّ الكافرَ لا يدخل الجنّة وهذا أمرٌ حسمه الله في حُكمٍ واضحٍ في آيةٍ من آيات القرآن حيث قال : 

{ إنّ الله لا يغفر أن يُشركَ به ، ويغفر دون ذلك لمن يشاء } سورة النساء ، آية ٤٨

{ إنّه من يُشرك بالله فقد حرّم الله عليه الجنّة } سورة المائدة ، الآية ٧٢

أقول : على ضوء ما سبق ، نجد أنّ الحكم على دخول الإنسانِ إلى الجنّة من عدمه في الدين المسيحي وفي الدين الإسلامي مُرتبطٌ بصفة الكفر التي يتصف بها هذا الإنسان

ولكي نحسم الجدال في معنى كلمة ( كُفْر )أقول : 

إنّ الكلمات في العقيدة الإسلاميّة لها تعريفٌ لغوي ، وتعريفٌ إصطلاحي شرعي

أمّا التعريف اللغوي لكلمة ( كافر ) فهو : إسم فاعل لكفَرَ ، ومعنى كفَرَ : أي ستَرَ وغطّى ، فمثلاًنقول : كفَرَ الليلُ الحقلَ أي غطّاه بظلمته ، وكفَرَ المزارعُ البذور في الأرض أي غطاها بالتراب وسترها … أمّا التعريف الإصطلاحي الشرعي الإسلامي لكلمة كافر فهو نقيض المؤمن ، والمؤمن هو من آمن بالله الواحد الذي لم يلد ولم يولد والذي لا شريك له ، مع الإيمان بملائكته ورسله وكتبه، وهناك تفاصيل مُلحقة بهذا التعريف لا تفيد في حدود بحثنا الذي نحن بصدده

وتلخيصاً لما سبق أقول : إنَّ الكافر عند أهل العقيدة المسيحيّة لا يدخل الجنّة مهما قدّم للإنسانية من أعمالٍ جيدةٍ تنفع البشر ، وإنَّ الكافر عند أهل العقيدة الإسلاميّة لا يدخل الجنّة مهما قدّم للإنسانيّة من أعمال جيّدةٍ تنفع البشر ، وعليه أقول : ما هذا الصراع الطفولي على مصير الدكتور مجدي يعقوب أو مصير غيره من البشر ؟! ما هذا الجهل وما هذا الغباء في إشهار سيوف القتال من أجل أمرٍ حسمه أهل العقيدة في كلا العقيدتين؟!

بقي أمرٌ آخرٌ يجب أن نلقي الضوء عليه وهو عدالةُ الحكم في هذا الأمر ومنطقيّته بغض النظر عن مُسمّى العقيدة التي حكمت هذا الحكم …

ولتوضيح هذا الأمر أقول : 

إنّ أمرَ دخول الجنّة بيد الإله الذي تعبده ، فإنّ كنتَ تعبد إلٰهاً واحداً فسوف تدخل جنّةَ هذا الإله الواحد ( لأنَّ شرط دخول الجنّة عند هذا الإله أن تؤمن بوحدانيّته ولا تشرك معه أحداً ) وإن كنت لا تعبدُ هذا الإلٰه فسوف تدخل ناره ، وهذا عدلٌ لا تشوبه شائبةٌ … وعلى الجانب الآخر ، إذا كانت تعبد إلٰهاً له ولدٌ فسوف تدخل جنّةَ هذا الإله الذي له ولد ، وإذا كنتَ لا تعبد هذا الإله فسوف تدخل ناره وهذا عدلٌ لا تشوبه شائبة ، فليس من حقّ المسيحي أن يطالب المسلم بالاعتراف بدخول المسيحي إلى جنّةٍ صاحبها إلهٌ واحد ، كما أنّه ليس من حقّ المسلم أن يطالب المسيحي بالإعتراف بدخول المسلم إلى جنّةٍ صاحبُها إلٰهٌ له ولد 

فلذلك لوقال المسيحييون أنّ أهم عالم مسلم أو أهم طبيب مسلم أو أهم مُخترع مسلم ممن قدّموا إلى البشرية أعمالاً جليلة كلّهم في النار ولا يدخلون الجنّةَ فهذا من حقّهم ، ولن يضرّنا بشيء بل ونحترمهم لأنّهم يقولون ما يؤمنون به فالعقيدة ليست حفلَ مجاملةٍ يتنازل فيه الإنسان عن ثوابته لتحقيق الإتيكيت !!!

ويحضرني مثالٌ يحسمُ هذا الأمر ولله المثل الأعلى : 

هل يحقّ لي إذا كنتُ أعملُ لصالح شركة ( LG ) وكنتُ متقناً لعملي وصادقاً وأميناً وبارعاً ومخلصاً وكنتُ ممن طوّروا هذه الشركة وحقّقوا لها أرباحاً كثيرة ، هل يحق لي أن أطلب أجرَ أعمالي من شركة ( سانيو ) ؟! وهل يحق لي أن أتهجّم على أصحاب شركة ( سانيو ) لأنهم رفضوا أن يعطوني أجراً على ما قدّمْتُه لشركة ( LG ) ؟! 

أينَ عقول المتصارعين على وسائل التواصل ؟! واللهِ إنّ هذا الصراع هو أشبه ما يكون بصراع المجانين أو صراع الأطفال !!!

إنَّ أعمال الخير التي يقوم بها مجدي يعقوب أو أي إنسان آخر لن تضيع سدى وسوف ينال أجره عليها ضِمْنَ قانون العدل الإلٰهي { إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا } سورة الكهف ، وطرُق الأجر التي يكافؤ الله فيها خلقه على حُسن عملهم المادي كثيرةٌ ، وليس من حقّ مَن أحسن عمله في أمور الدنيا وهو لا يؤمن بوحدانيّة الله أن يطلبَ أجر أعماله من الله الأحد أن يدخله الجنّة ، فدخول الجنّة أجرٌ مقرونٌ بالإيمان بوحدانية الله وإذا أراد أن يطلبَ أجرَ عمله الجنّةَ فلْيَطلبْه من إلٰهٍ لهُ ولدٌ ولديه جنّةٌ هو صاحبُها !!!

أطلتُ في المقال ، ولكنّها إطالةٌ مُجزيةٌ ، فالموضوع لا يحتمل الاختصار لما فيه من دقّةٍ ولما يترتب عليه من خلاف 

نحترم كلّ الأديان ، ونعترف بجهود كلّ المبدعين وكل من قدّموا للإنسانية أعمالاً خيّرة ، ونقدّرهم ، ولولا أن موضوع الجنّة والنار صار صراعاً على وسائل التواصل لما تطرّقنا له لحرصنا على عدم إثارة نوازع الإختلاف ، فنحنُ نقف عند الآية الكريمة { لكُم دينُكم ، ولي دين } 

وتحضُرني بعيداً عن موضوعنا ملاحظةٌ هامّة للرد على من يشوّهون الدين الإسلامي وهي : يجب أن يعرف كلُّ إنسانٍ على وجه الأرض أنّ العقيدةَ الإسلاميّة تُحرّم قتل الكافر بسبب كفره ، ولا يقتل الكافرُإلّا إذا قاتل المسلمين ، فقتلُ الكافر مُرتبط بشرطٍ يقتضيه هذا القتل وليس مرتبطاً بكفره ، وكلُّ من يقول غير هذا الكلام فهو كذّابٌ أشر ، وهو مُجرمٌ يسعى إلى تشويه دين الإسلام 

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين