هل النصارى كفار؟

قال العلامة *علي الطنطاوي* رحمه الله تعالى في ذكرياته عند حديثه عن كتاب "الدولة والقومية العربية والدين والوحدة " لحنّا ملك:

لقد جاء في هذا الكتاب سؤال وضعه عنواناً كبيراً لفصل طويل هو: «*هل النصارى كفار؟*». إنه عنوان يُخيف كل راغب في وحدة الصفّ، محبّ لدوام الألفة، خائف من التصدّع والانقسام، لذلك نبتعد عنه.

ولقد أُلقيَ عليّ هذا السؤال من قبلُ في مجلس كان فيه جمع كبير من قضاة الشرع والمشايخ ومن كبار رجال الدين من النصارى، وكان يحضره وزراء، وكان الداعي إليه والمشرف عليه رئيس الجمهورية (شكري القوتلي). ألقي عليّ وأجبت عنه.

ذلك أنه كان من عادة رؤساء الجمهورية في دمشق أنهم يَدْعون القضاة والعلماء ومَن يسمّونهم برجال الدين إلى مائدة الإفطار في رمضان.

وقد ذهبتُ مرتين فقط إلى دعوتين من الرئيسين هاشم بك الأتاسي، وشكري بك القوّتلي رحمة الله عليهما، فجمع أحدُهما بيننا نحن قضاة الشرع والمشايخ ورجال الدين من النصارى، وكانت أحاديث ممَّا يُتحدّث به في أمثال تلك المجالس، أحاديث تمسّ المشكلات ولا تخترقها وتَطيف بها ولا تداخلها، ففاجأَنا مرة واحدٌ من كبارهم يعتب علينا أننا ندعوهم كفاراً.

فجزع الحاضرون ووجموا وعرَت المجلسَ سكتةٌ مفاجئة، فقلت للرئيس: تسمح أن أتولى أنا الجواب؟

وسألته: هل أنت مؤمن بدينك؟

قال: نعم. قلت: ومَن هم الذين تدعوهم مؤمنين به؟ أليسوا هم الذين يعتقدون بما تعتقد؟

قال: بلى. قلت: وماذا تسمّي من لا يعتقد بذلك؟ ألا تدعوه كافراً؟ فسكت.

قلت: إن الكافر عندك هو الذي يرفض أن يأخذ بما تراه أنت من أُسُس الدين وأصول العقائد، وكذلك نحن، فالناس عندنا بين مسلم يؤمن بما نؤمن به من رسالة محمد وأنَّ القرآن أنزله الله عليه، وآخر لا يؤمن بذلك فنسمّيه كافراً، فهل أنت مسلم؟ فضحك، وقال: لا طبعاً.

قلت: وهل أنا في نظرك وبمقاييس دينك مؤمن بما لدى النَّصارى أو كافر به؟ فسكت وسكتوا.

قلت: أنا أسألك، فإن لم تُجِب أجبتُ عنك. أنا عندك كافر لأني لا أعتقد بأن المسيح ابن الله ولابأنهم ثلاثة الأب والابن والروح القدس والثلاثة واحد ولا بمسألة الفداء، ولا بأمثال ذلك مما هو من أصول عقائد النصارى. وأنت عندي كافر لأنك تقول بها، فلماذا تُنكِر عليّ ما تراه حقاً لك؟

إن ديننا ظاهر مُعلَن ليس فيه خبايا ولا خفايا ولا أسرار، والقرآن يُتلى في كل إذاعة في الدنيا (حتى إنني سمعته مرة من إذاعة إسرائيل) والقرآن يقول: {لقَدْ كفَرَ الذينَ قالوا إنّ اللهَ هُوَ المَسيحُ}، ويقول في الآية الثانية: {لقَدْ كفَرَ الذينَ قالُوا إنّ اللهَ ثالثُ ثلاثةٍ}؛ فالكفر والإيمان إذن مسألة نسبية، ما تسمّيه أنت كفراً أسمّيه أنا إيماناً، وما أسمّيه أنا كفراً تسمّيه أنت إيماناً، واللهُ هو الذي يفصل بيننا يوم القيامة. فسكتوا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين