حين تكون الزوجة معلمة ويكون الزوج تلميذا

كانت تحكي لي معاناتها من زوجها الذي يهرب منها ولايصبر على حديثها، وينفر من الجلوس معها، حتى إنه يترك لها حرية الخروج من البيت متى شاءت، بل إنها تشعر أنه يكون سعيداً حين تتركه وحده، بينما تظهر أمارات القلق عليه حين تعود إلى بيتها.

سألتُها: ذكرتِ أنه لايصبر على حديثك، فهل يكثُر في حديثك نقده وتصحيح أخطائه؟

قالت: أنا أنصحه، وأوجِّهه، وأعِظُه، وهذا كله لمصلحته.

قلت: أنت تُسمِّينه نُصحاً وتوجيهاً ووعظاً، وهو يراه نقداً ولوماً وتعليماً.

قالت: أنا أريد له الخير.

قلت: النية وحدها لاتكفي لجعل زوجك يتقبل أن تكوني له مُعلِّمة ويكون بين يديك تلميذاً مُتعلِّماً.

قالت: لماذا تراه بهذه الصورة : معلمة وتلميذ؟ نحن زوجان متعاونان وينبغي أن يتقبَّل كُلّ منّا نصح الآخر !

قلت: هل تقبلين منه أن ينصحك ويوجهك؟

قالت: ماأحسب أني أحتاج إلى توجيه ونصح، فأنا أقوم بواجباتي كاملة ولاأُقصِّر في شيء!

قلت: هكذا تعتقدين!

قالت وقد انفعلتْ : هل ترى اعتقادي خاطئاً؟!

قلتُ محاولاً تخفيف انفعالها: أُقَدِّر كل ماتقومين به، ولاأُقلِّل ممّا تبذلينه من جُهد وعمل لتكون أسرتكِ مثالية.

قالت: إذن فأنا لاأحتاج إلى نُصحه وتوجيهه! بمَ ينصحني وأنا لاأُقَصِّر في شيء؟

قلتُ: لعلّ أول ماينصحك به، بل ويرجوك من أجله: أن تُخفِّفي من نصحك له، وأن تُقدِّري مايقوم به، وألّا تخاطبيه وكأنه طفل من أطفالك يحتاج تربيةً وتعليماً وتوجيهاً.

صمتت .. لم تُعلِّق على كلامي .. قرأتُ في وجهها إدراكها خطأ أسلوبها في مُعاملة زوجها.

بعد لحظات صمت قصير قالت: كان هذا غائباً عني. صدّقني أني لم أفطن إليه، لكني الآن أوافقك عليه. نعم، هذا ماكان يجعله يهرب مني ولايرتاح إلى كلامي.

قلت: بارك الله فيكِ، وإدراكك ذلك سيُعينُكِ الله به على جعل زوجك أقرب إليكِ وأطوع لكِ.

قالت: ماذا أفعل لأجعله كذلك؟

قلت: بتغيير أسلوب خطابك من تعليمي إلى تشاوُري.

قالت: لم أفهم.

قلت: بدلاً من أن تقولي له: افعل كذا، أو ينبغي أن تكون هكذا، قولي: مارأيك لوجربت أن تفعل كذا؟ ألاتوافقني لوكنت هكذا لكان الناس أقرب إليك...

قالت: نعم، مثل هذا الأسلوب سيجعله مُتقبِّلاً نصحي.

قلت: وأرجو أن لاتُشعريه بأنك تنصحينه؛ بل اجعليه يشعر أنه هو صاحب الاختيار، بل صاحب القرار.

قالت: كم جميل وحَسَن هذا.

قلت: اذكري لي عادة من عادات زوجك السيئة التي عملتِ على جعله يتركها.

قالت: تدخينه، إنه يُدخِّن بشراهة.

قلت: كيف كنتِ تفعلين لجعله يقلع عنه؟

قالت: كنتُ أُنكر رائحة فمه الكريهة بسبب التدخين، وأُعبِّر عن نفوري منها ومنه، وأقول له: أنت قدوة سيئة لأطفالك الذين يقتدون بك ويرونك مثلاً لهم . وأحياناً أقول له: خنقتنا بدخّان سجائرك ! وأُخوِّفه بالموت فأُذكِّره بأن أعمار المُدخِّنين قصيرة.

ابتسمتُ وقلتُ: وهل نجحتِ في جعله يترك التدخين؟

قالت: لا، بل زاد إصراراً عليه وعِناداً لي.

قلت: هذا طبيعي.

قالت في استنكار: طبيعي؟!!

قلت: أقصد أن عدم استجابته طبيعي، لأن أمثال هذه الكلمات والعبارات لاتصلح لصرف الرجل عن هذه العادة السيئة.

قالت: ماذا كان يجب عليّ أن أفعل؟ ماذا كان عليّ أن أقول؟!

قلت: كان عليك أن تقولي له عبارات زاخرة بالحب له، والشفقة عليه، والحرص على صحته.

قالت: مثل ماذا؟

قلت: قولي له: لو تعلم كم أحبك، وأحب أن نعيش معاً لنكمل رسالتنا في تربية أبنائنا وتعليمهم ثم تزويجهم لنفرح أنا وأنت بهم، وبأحفادنا منهم، لكن تدخينك الذي يُدَمِّر صحتك ويُهدِّد حياتك، يجعلني أخاف عليك، وكيف لاأخاف عليك وأنا أرى أمراض السرطان تفتك بملايين المدخّنين. أرجوك، اسمح لي أن أُعينك على تركه لتسترجع صحتك، وتبقى معنا، ونُكمل مشوار حياتنا معاً إلى آخر العُمر.

قالت: كان عليّ أن ألتقيك قبل زمن طويل؛ لأتعلم منك هذا الذي لم تُعلِّمني إياه أُمي، ولم يُعلّمني إياه أبي، ولم أتعلّمه في مدرسة ولاجامعة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين