النكد .. مرض وكَمَد ..

اتصَلَتْ بي تستشيرني في زوجها الذي هجرها وما عاد يكلمها، وذكَرَتْ أنه مضى على ذلك أكثر من سنة، حتى إنه لايردّ على مكالماتها الهاتفية، وحين تتصل به من هاتف آخر فإنه يُغلق هاتفه فور سماعه صوتها.

وانطلقت تشرح معاناتها منه، من إهماله لها، وضيقه بها، وانصرافه عنها.

مضت عشر دقائق وهي تتكلم فقلتُ لها أوصيكِ بما يلي، فقاطعتني على الفور: دعني يا شيخ أُكمل لك. قلت: تفضلي.

واصَلَتْ حديثها وهي تعيد كلامها بانطلاق عجيب دون سأم من تكرار كلماتها وأمثلتها، حتى مضتْ عشر دقائق أخرى.

قلت لها: معاناتك واضحة، لكني أريد أن أكلم زوجك حتى أعرف منه لماذا يفعل هذا بك؟

قالت: إنه لايرد عليّ فكيف سأنقل له رغبتك في أنك تريد محادثته؟

قلت: أعطيني رقم هاتفه وسأتولى الأمر بنفسي.

قالت: لماذا تريد أن تسمع منه ألا تصدق ما أقوله لك؟!

قلت: أصدقكِ، لكني لم أعرف منكِ سبب هجرانه لكِ.

قالت: دعكَ منه، أنا أخبرك..

وراحت تكرر كلامها نفسه، وتصف زوجها بصفات شتى، وتتهمه باتهامات عدة دون أن تذكر لي ما أردتُ معرفته.

قلت: هل تريدين أن أُشير عليكِ دون أن أكلمه؟

قالت: نعم، ولكن بعد أن أشرح لك معاناتي منه ومن هجرانه لي.

قلت: أترين أنكِ لم تشرحي بعد معاناتك؟!!

لم تجبني عن سؤالي، بل رجعت إلى اسطوانتها تديرها من جديد.

قلت لها: الآن عرفتُ لماذا هجرك زوجك، وماعدتُ أحتاج مكالمته لأعرف منه ذلك.

***

هذا مَثَل للزوجة (النكدية) التي تجعل زوجها يفرّ منها، هرباً من نكدها، وطول لسانها، وتَواصُل شكواها، ولينجو من كثرة تسخطها، وقلة رضاها.

لقد ذَكَرت دراسة بريطانية أن المرأة تُمضي نحو 8 آلاف دقيقة سنوياً في إزعاج زوجها، وهو مايُعادل ساعتين ونصف الساعة أسبوعياً، و11ساعة شهريّاً.

والنكد الزواجي يُحدِث آثاراً سلبية كثيرة ليس فقط على الزوجين،بل وعلى أبنائهما، وأهليهما، وعلى عَمَل كل منهما، وهذا يجعلنا ندرك خطورته وعظيم ضرره، وأهمية علاجه.

لابد من أن يتعاون الزوجان على الحدّ مِنْه، وأن يتذاكرا أضراره عليهما وعلى حياتهما وأسرتهما، وإذا لم ينجحا في ذلك؛ فإن عليهما مراجعة استشاري أسري يرشدهما إلى كيفية تجنّبه والتغلب عليه.

وهذه نصائح عاجلة في تجنب النكد بين الزوجين، ومنعه من تحطيم الحياة الزوجية:

- إذا بدأ أحد الزوجين في ممارسة النكد لأي سبب فعلى الآخر المبادرة إلى تغيير الموضوع بلطف وبراعة.

- إذا لم ينجح في تغيير مجرى الحديث فيحسُن مغادرة المكان بهدوء.

- يحتاج الزوج الآخر إلى سعة صدر وحِلْم مضاعف وحكمة في التعامل مع الزوج النكدي.

- يجب أن يُدرك الزوجان أن النكد قد يصير مدخلاً إلى الجدال الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبشَّر من يتركه ببيت في الجنة وإن كان على حق فيما يجادله حوله الآخرون.

- الابتسامة، والتغافل، واللِّين، من الصفات التي حضّ عليها الإسلام وتُسهم بشكل كبير في محاربة النكد إذا استحضرها كل زوج في حياته ومعاملاته مع الزوج الآخر.

- وليُدرك الزوجان أيضاً أنهما بإثارة النكد بينهما إنما يُحقِّقان للشيطان غاية من أعظم غاياته؛ وهي التفريق بين الزوجين، كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي أخرجه مسلم في صحيحه.

ومن باب الطرافة والمزاح ذَكَر أحدهم فوائد للنكد منها أنه يُسهم في صلة الرحم حين يفرّ الزوج من بيته إلى بيت أهله هرباً من نكد زوجته فيُداوم على زيارتهم ويطيل الجلوس عندهم ولاينقطع عنهم،

ومن هذه الفوائد أيضا أنه يجعل الموظف يصل مبكراً إلى عمله هرباً من تنكيد زوجته عليه كل صباح، بينما يتأخر في الخروج من عمله ويُقبل على إنجاز معاملات المراجعين حتى يغيب عن زوجته النكدية أطول وقت ممكن،

ومنها أن النكد يُساعد في خفض وزن الزوج حين يَدفعه نكد زوجته إلى القيام عن مائدة الطعام قبل أن يُنهي أكلَه.

إخوتي الأزواج، أخواتي الزوجات، النكد مرض وكَمَد.. فاهجروه للأبد.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين