حدث في التاسع عشر جمادى الآخرة تعيين قاضي القضاة تقي الدين السبكي

في التاسع عشر من جمادى الآخرة من عام 739 صدر أمر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون بتعيين قاضي القضاة تقي الدين السُّبْكي، علي بن عبد الكافي، قاضياً للشافعية على دمشق، وذلك بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين القزويني، فغادر القاهرة إلى دمشق وأمضى فيها 16 سنة وشهراً، ثم عاد مريضاً إلى القاهرة ليتوفى فيها في سنة 756.

ولد تقي الدين السبكي في مستهل صفر من سنة 683 في سُبك، وهي قرية من أعمال المنوفية بمصر، وتنتمي أسرته إلى بطن من قبيلة الخزرج الأنصارية يقال له أسلم، وكانت أسرة عريقة في العلم والفضل، فجده الثاني كان يلقب بالوزير، أما والده زين الدين عبد الكافي فكان من علماء العصر وفضلائه، أدرك الإمام الكبير تقي الدين ابن دقيق العيد، محمد بن علي، المولود سنة 625 والمتوفى سنة 702، وصحبه وأخذ عنه وتأثر به، ولما قبل ابن دقيق العيد منصب قاضي القضاة في سنة 695 جعل الوالد من أعيان نوابه إذ ولاه قضاء الشرقية والغربية، وتوفي والد السبكي في سنة 735 ثم توفيت والدته بعده بأربعين يوماً.

وكان كثير من أقاربه قبله وبعده من العلماء والقضاة، ومنهم عمه يحيى بن علي، المتوفى سنة 725، فقد كان إماماً عارفاً بأصول الفقه، وتولى قضاء المحلة، ودرَّس بالمدرسة السيفية في القاهرة ثم باشرها بعده تقي الدين.

وقد توجه تقي الدين منذ صغره إلى العلم وانصرف عن اللهو واللعب، حكى عنه ابنه الإمام تاج الدين: أنه كان يخرج من البيت صلاة الصبح فيشتغل على المشايخ إلى أن يعود قريب الظهر، فيجد أهل البيت قد عملوا له فروجا، فيأكل؛ ويعود إلى الاشتغال إلى المغرب؛ فيأكل شيئاً حلوا لطيفاً، ثم يشتغل بالليل؛ وهكذا لا يعرف غير ذلك، وكأن الله قد أقام والده ووالدته للقيام بأمره، فلا يعرف شيئاً من حال نفسه، وعجب أبوه من هذا التوجه الجاد والانغماس في العلم، فأشار على أمه أن تعطيه درهما أو درهمين عله أن يرى في السوق شيئا يشتهيه فيشتريه، فعقدت له أمه منديلا على نصف درهم، وهو يروح به ويغدو، إلى أن ضاق بحمله، فألقاه إلى أمه، وقال لها: ما شأني بهذا، وما أصنع به؟

وتفقه تقي الدين على والده وحفظ مختصر أبي إسحاق الشيرازي في فروع الفقه الشافعي المسمى التنبيه، وكان والده يصطحبه في زيارته للعلماء في القاهرة، مثل ابن دقيق العيد والوزير الفقيه ابن بنت الأعز، عبد الرحمن بن الوهاب، المتوفى سنة 695، فأتى به والده إلى القاهرة وفي نيته أن يتركه فيها لطلب العلم، ولكن الإمام ابن دقيق العيد أشفق على الشاب الصغير فقال لأبيه: عد به إلى البلد حتى يصير فاضلاً. فعاد به ولم يأت تقي الدين للقاهرة إلا بعد وفاة ابن دقيق العيد في سنة 702، وهكذا فاته ما كان يتطلع إليه والده من صحبة الإمام ابن دقيق العيد والأخذ عنه وهو في آخر العمر، رحمهم الله جميعاً.

وجاء تقي الدين إلى القاهرة ودرس فيها على عدد من كبار مشايخها، واهتم بالحديث والرواية، فسمع على عدد كثير من المحدثين من أبرزهم صديق والده المحدث الحافظ شرف الدين الدمياطي، عبد المؤمن بن خلف، المولود بدمياط سنة 613 والمتوفى بالقاهرة سنة 705، والذي ضم معجم شيوخه نحو 1300 شيخ، وقال عنه الذهبي: كان مليح الهيئة، حسن الخلق، بساما، فصيحا لغويا مقرئا، جيد العبارة، كبير النفس، صحيح الكتب، مفيدا جدا في المذاكرة. ولازم تقيُّ الدين الحافظَ الدمياطي ولم يتخلف عن درسه بالمدرسة المنصورية، ولكن الشيخ الهرِم توفي دون أن يشبع تقي الدين نهمته من علم الحديث، فاتجه للأخذ عن سعد الدين الحارثي العراقي ثم المصري، مسعود بن أحمد، المولود بالحارثية قرب بغداد سنة 652 والمتوفى بالقاهرة سنة 711.

ودرس تقي الدين علوم العربية على أبي حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، المولود بغرناطة سنة 654 والمتوفى بالقاهرة سنة 745، وقرأ عليه كثيراً من كتب النحو مثل كتاب سيبويه وكتاب ابن عصفور وغيرهما، وكان من كبار العلماء بالعربية والتفسير والحديث والتراجم واللغات، واسع الحفظ راوية للشعر واللغة والقراءات.

وكان من آخر شيوخ تقي الدين السبكي الفقيه الشافعي ومحتسب القاهرة نجم الدين ابن الرفعة، أحمد بن محمد بن علي الأنصاري، المولود سنة 645 والمتوفى سنة 710، والذي ندب لمناظرة ابن تيمية، فسئل ابن تيمية عنه بعد ذلك، فقال: رأيت شيخا يتقاطر فقه الشافعية من لحيته! وكان ابن الرفعة يعامل السبكي معاملة الأقران لا الطلاب، ويبالغ في تعظيمه، ويعرض عليه ما يصنفه في المطلب، وقال الأستاذ عن تلميذه: إمام الفقهاء. وقال عنه المحدث الحافظ شرف الدين الدمياطي: إمام المحدثين. فلما بلغ ذلك أستاذه في الأصول علاء الدين الباجي، علي بن محمد، المولود سنة 631 والمتوفى سنة 714، قال: وإمام الأصوليين.

وأخذ تقي الدين السبكي التصوف والسلوك عن ابن عطاء الله السكندري، أحمد بن محمد، المتوفى سنة 709، وكان قد ترك الإسكندرية وسكن القاهرة، وتأثر به تقي الدين تأثراً واضحاً في شخصيته وكثير من مواقفه وأقواله.

ورحل تقي الدين السبكي في طلب العلم والحديث إلى الإسكندرية ليسمع من محدثيها، ثم رحل إلى الشام في سنة 706، ومكث في الشام قرابة سنة سمع من أئمتها أمثال الذهبي والمزي والبرزالي وابن الموازيني وابن مشرف، وأعجب هؤلاء الأعلام بالعالم الشاب ومشاركاته في المناظرات التي تثور في مجالسهم.

وعاد تقي الدين السبكي إلى القاهرة وألقى فيها رحاله، وبدأ في التدريس والتصنيف، وممن درس عليه العالم المؤرخ المحدث الحنفي مُغْلطَاي بن قَلِيج البكرجي، المولود سنة 689 والمتوفى سنة 762، وبدأت شهرته في الفقه الشافعي تزيد حتى صارت الأسئلة والفتاوى تأتيه من خارج مصر، وفي سنة 716 أدى فريضة الحج وزار المدينة المنورة، ولفترة وجيزة تولى مشيخة جامع ابن طولون ثم ما لبثت أن أعطيت لغيره في سنة 719، وكانت هذه المناصب مطمع كثير من العلماء ممن يستحقها أو لا يستحقها، وكان كثير منهم يطرقون أبواب كبار الأمراء لمساعدتهم في الحصول على هذه المشيخة أو تلك، ولكن تقي الدين لم يطرق باب أحد في نيل الوظيفة أو استرجاعها، بل عاد إلى دروسه وتآليفه، وقال في ذلك أبياتاً منها:

كمالُ الفتى بالعلم لا بالمناصب ... ورتبة أهل العلم أسنى المراتبِ

هم ورثوا علم النبيين فاهتدى ... بهم كلُّ سارٍ في الظلام وسارب

ولا فخر إلا إرث شرعة أحمد ... ولا فضل إلا باكتساب المناقب

وبحث وتدقيق وإيضاح مشكل ... وتحرير برهان وقطع مغالب

وعادت إلى السبكي مشيخة ابن طولون ثانية في سنة 727 وبقيت في يده إلى سنة 739 حين اختير لقضاء الشام، كما ذكرنا في أول الحديث.

وفي سنة 723 أعطي تقي الدين السبكي وظيفة التدريس بالمدرسة المنصورية بالقاهرة عوضا عن القاضي جمال الدين الزرعي، سليمان بن عمر، المولود بأذرِعات/درعا سنة 645 والمتوفى بالقاهرة سنة 734، والذي عين قاضياً في دمشق، ثم أعطي السبكي بعدها في أواخر السنة مشيخة دار الحديث الظاهرية بالقاهرة، بعد أخذها من ابن أستاذه: عبد العظيم بن الحافظ شرف الدين الدمياطي، ولم يدم السبكي في هذه سوى شهر ثم أعطيت لفتح الدين بن سيد الناس اليعمري، وكذلك لم يطل مقام الزرعي في دمشق، فقد عاد معزولا بسبب خصومة بينة وبين قاضي الحنابلة، ولم يعيده السلطان إلى منصبه السابق بالمنصورية، وكان الزرعي صديقاً للأمير أرغون المنصوري نائب السلطنة الذي كان حينها في الحجاز، فعزم على أن يعيد صديقه إلى المدرسة وأعلن ذلك على ملأ من الناس مهدداً ومتوعداً، وكان راتب المدرسة الرزق الوحيد للسبكي، ولكن السلطان الملك الناصر قبض على أرغون عندما عاد من الحجاز ثم أرسله نائباً على حلب، وبقي السبكي في المدرسة.

وفي هذه الفترة كتب السبكي كتابين كان لهما وقع كبير في ذلك الوقت بسبب موضوعيهما وبسبب أسلوبه فيهما الهادئ المبني على الحجة والبرهان والبعيد عن الشطط والتجريح، وهما كتابه في الرد على الإمام تقي الدين ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، المولود سنة 661والمتوفى سنة 728، في قوله إن الحلف بالطلاق يقع موقع اليمين فلا يقع الطلاق وفيه كفارة، وكتابه شفاء السقام في زيارة خير الأنام والرد على منكري ذلك، وقد رد فيه قول ابن تيمية إن الغرض من زيارة المدينة ينبغي أن يكون زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، وأن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هي تَبَع لذلك ولا يجوز أن تكون أصل الزيارة وشد الرحال.

وكانت هاتان القضيتان، المختلف عليهما إلى اليوم، على رأس القضايا التي شغلت مجامع العلماء في تلك الفترة، ذلك إن الإمام ابن تيمية خالف فيهما الرأي السائد المألوف، وجهر برأيه فيهما في دمشق بأسلوبه المعروف في الشدة، وانقسم العلماء ومن حولهم فرقتين مؤيدين ومعارضين.

وعلى الأغلب فإن تقي الدين السبكي التقى بابن تيمية في مصر، ورغم رده عليه في هاتين المسألتين وغيرها، إلا أنه كان يقر لابن تيمية بالعلم والفضل، ولا يشتط في عداوته كما فعل عدد من المشايخ، فقد عاتب الذهبيُّ، وهو تلميذ ابن تيمية، السبكي بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية، فأجابه: فالمملوك يتحقق كبير قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجلّ، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان، بل من أزمان.

وممن أخذ عن السبكي الفقه في الفترة السابقة لرحيله إلى دمشق الإمام سراج الدين البلقيني، عمر بن رسلان، المولود سنة 714 والمتوفى سنة 805، والذي أُعجب بأستاذه لدرجة أنه لما شرب من ماء زمزم سأل الله أن يكون مثل تقي الدين السبكي، ومن التقديرات أن يصبح سراج الدين البلقيني قاضي القضاة بدمشق في سنة 760 ويحل محل ابن أستاذه؛ تاج الدين السبكي.

ولم يكن السبكي في انقطاعه للتدريس منقطعاً عن الناس وكبار الدولة وبخاصة صالحيهم، فقد كان على صلة طيبة بالأمير جنكلي بن محمد، المولود سنة 765 والمتوفى سنة 746، والذي كان أمير رأس العين في شمالي سورية من قبل الملك المغولي قازان، فجاء إلى القاهرة في سنة 704 بطلب من السلطان، وأعطي إقطاعات تليق بإمارته، وكان صاحب عبادة، وكان ينفع العلماء والصلحاء والفقراء، وله إلمام بالفقه يحب العلماء ويطارحهم، وقد قال عنه تقي الدين السبكي في تاريخه: وكان قد جمع العقل والدين والدنيا والرتبة العلية ليس في الأمراء أكبر منه ولا أنفذ كلمة، وامتنع من الحكم بعد أن عرضت عليه النيابة مرات، وكان لا يدخل إلا في خير، وكان يحبنا ونحبه.

وكان تقي الدين السبكي على علاقة طيبة كذلك بالأمير آلجاي الدويدار الناصري، المتوفى سنة 732، وكان معروفاً في منصبه بالعفة والنزاهة والتأني، وكان متأدباً فاضلاً حسن الخط يحفظ كثيراً من المسائل، واقتنى كتباً نفيسة إلى الغاية، وكان السبكي يلازمه ويبيت عنده.

وكان الأمير شهاب الدين أحمد بن بيلبك المحسني، ابن نائب السلطان بالإسكندرية، والمتوفى سنة 753، يميل إلى العلم والأدب، ويتعانى النثر والنظم، وجاء إلى دمشق ليكون في ظل أميرها العظيم سيف الدين تنكز، والذي كان نائب الملك في دمشق من سنة 712 إلى أن قتله السلطان سنة 750، وكان المحسني قد نظم أغلب مسائل الفقه الواردة في كتاب التنبيه، فكان يعرضها على تقي الدين السبكي ليراجعها ويوجهه إلى إتقانها.

وفي سنة 739 توفي، عن 73 سنة، القاضي جلال الدين القزويني الأصل الموصلي المولد، محمد بن عبد الرحمن بن عمر، بعد أن ولي قضاء دمشق نحو سنة، فأصدر السلطان الملك الناصر أمره بتعيين تقي الدين السبكي في هذا المنصب، وهو أول منصب حكومي يتولاه السبكي، فكان نقلة كبيرة في حياته، من التعليم والتأليف والعيش في بساطة بين الكتب ومع الطلبة وتوفر الوقت للبحث والتصنيف، إلى لُـجّة القضاء والتعرض لضغوط الأمراء وأهواء ذوي النفوذ، والتقيد بأبهة المنصب وهيبته، وضياع الأوقات في سماع الدعاوى وأقوال الخصوم، ويبدو أنه لم يقبل المنصب إلا بعد إلحاح من السلطان، كما هو المتوقع، لأن ابنه تاج الدين يقول في هذا الصدد: فقبِلَ الولايةَ؛ يا لها غلطة أُفٍّ لها، وورطة ليته صمم ولا فعلها!

ولتقي الدين السبكي في هذا الموضوع بيتين:

إن الولاية ليس فيها راحة ... إلا ثلاثٌ يبتغيها العاقلُ

حكم بحق أو إزالة باطل ... أو نفع محتاج، سواها باطل

وبعد تعيين السبكي بحوالي سنة ونصف توفي السلطان الملك الناصر في آخر سنة 741 وخلفه بعهد منه ابنه أبو بكر وتلقب بالملك المنصور، وكان في العشرين، وظهر من الملك الجديد انصراف عن مهام الحكم إلى اللذات والشهوات فخلعه الأمراء بعد شهرين وأعدموه، وجعلوا مكانه أخاً له طفلاً عمره دون ست سنين، ثم خلعوه بعد 5 أشهر، وبايعوا أخاه أحمد الذي أتوا به من الكَرَك، وكانت سنه 32 سنة، وتلقب بلقب أبيه؛ الملك الناصر، وقام على عقد البيعة بينه وبين الخليفة العباسي الحاكم بأمر الله الشيخ تقي الدين السبكي الذي جاء من دمشق إلى القاهرة.

وأساء الملك الجديد التصرف فقد قتل جماعة من أمراء الجيش كانوا في السجن، ثم جمع أموالا وتحفاً من الخزائن السلطانية وعاد إلى الكرك، وظهرت أخباره في الانغماس في اللهو، فكتب قواد الشام إلى قواد مصر في خلعه، فخلعوه في أوائل سنة 743، وكانت مدة حكمه 72 يوماً، وولوا أخاه إسماعيل، وكانت سنة حوالي 17 عاماً، وتلقب بالملك الصالح، وأرسلوا الأمراء الجيش لمحاصرة أحمد في الكرك، فقاتل حتى أمسكوه وقتلوه، وسار الملك الصالح بالحكم سيرة حسنة فصلحت أمور الدولة، ثم توفي في سنة 746.

وحدثت قصة مضحكة مبكية في غضون هذه الأحداث تدل على التدهور الذي آلت إليه أمور الدولة في حقبة المماليك عند الانتقال من ملك إلى ولي عهده، فقد سار الأمير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك ليأتي بالملك الناصر إلى مصيره المحتوم في القاهرة، وتحصن الناصر بقلعة الكرك، فحاصره قطلوبغا، وفي أثناء ذلك وصله كتابٌ من أخيه الأمير طشتمر في حلب ينكر عليه ما فعل، ويشير عليه أن يؤيد الملك الناصر، ففعل وحلف له، وإزاء هذا الانقلاب خرج الطُنبغا نائب دمشق إلى حلب لقتال طشتمر نائبها، فاغتنم قطلوبغا ذلك فترك الكرك وتوجه إلى دمشق.

وطلب قطلوبغا من القاضي تقي الدين السبكي أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغيَّاب التي تحت يده، فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا، فجاء شادُّ الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه الأموال، فأنفقها قطلوبغا على تجهيز العساكر وحلَّفهم للملك الناصر، وقصده الطنبغا من حلب بعساكر الشام وهم نحو تسعة عشر ألف فارس، فمال غالب العسكر إلى قطلوبغا وفر الطنبغا، ودخل قطلوبغا دمشق وأرسل إليه الناصر أحمد بإمارتها وذلك في شوال سنة 742، ثم غدر الناصر به وأراد إمساكه فهرب، ثم قُبض عليه فأمر الناصر بقتله في المحرم من سنة 744.

ولما تولى الملك الصالح الحكم أرسل على البريد يطلب القاضي تقي الدين السبكي إلى القاهرة لمحاسبته على إعطائه الأمير قطلوبغا هذا المبلغ ليجهز جيش التمرد، وكان ذلك بمكيدة من نائب السلطنة بدمشق الأمير أيدمش الناصري، والذي كان يكره تقي الدين السبكي، ومنعه من قبل أن يصلى معه الجمعة في المقصورة بالجامع الأموي، وذلك إن منصب الخطابة في الجامع الأموي شغر، فنهى الأمير الشيخ أن يسعى في تولي هذا المنصب، ويبدو أن الشيخ قد خالفه وسعى في الأمر، أو جاءه الأمر دون سعي، فغضب الأمير غضباً شديداً، ولما جاء خطاب السلطان أرسل أمير دمشق أيدمش إلى كبار مشايخها صورة سؤال يستفتيهم فيه بما يقتضيه حكم الشرع الحنيف بمن فعل مثل هذا الأمر، ولاحترام المشايخ الكبير لتقي الدين السبكي ومعرفتهم بحقيقة الواقعة، لم يكتب أحد على السؤال أية فتوى أو جواب، باستثناء القاضي الحنفي جلال الدين أحمد بن الحسن المولود سنة 651 والمتوفى سنة 745.

ولما ذهب السبكي إلى القاهرة على البريد خرج الكبراء والأعيان لتوديعه وفي خدمته، وعاد بعد شهر وقد بقي في منصبه وجدد تعيينه في الخطابة، وشاء الله كذلك أن يموت الأمير في هذه الأثناء، فلم يشك كثير من الناس أن أيدغمش هلك بدعاء الشيخ تقي الدين السبكي عليه، وأثناء مقامه مع والده في مصر في هذه الرحلة قرأ تاج الدين ابن تقي الدين السبكي على شيخ والده من قبل؛ الإمام أبي حيان الأندلسي، قال تاج الدين: ولما توجهنا من دمشق إلى القاهرة في سنة 742 ثم أمرنا السلطان بالعود إلى الشام لانقضاء ما كنا توجهنا لأجله، استمهله الوالد أياما لأجلي، فمكث حتى أكملت على أبي حيان ما كنت أقرؤه عليه، وقال لي: يا بني هو غنيمة، ولعلك لا تجده في سفرة أخرى. وكان كذلك.

وهنا نشير إلى واقعة تشبه واقعة التسلط على أموال الأيتام حصلت مع قاضي صفد، شمس الدين الخضري، محمد بن عبد الحق، وكان قاضياً صارماً لا هزل عنده، وطلب منه أميرها اقتراض مبلغ من مال الأيتام بغير رهن، فلم يوافقه، فجرت بينهما مشادة كلامية فركب بغلته ليلا وقصد دمشق، فبلغ ذلك القاضي تقي الدين السبكي فتلقاه وأكرمه وجهزه إلى حمص قاضيا ومدرسا وخطيبا، وتوفي هذا القاضي الصارم سنة 747.

ونشير كذلك إلى واقعة أخرى تتعلق بالخطابة في الأموي، وذلك إنها كانت عند جلال الدين القزويني، وهو القاضي الذي توفي وحل محله تقي الدين السبكي، وصارت بعده إلى ابنه بدر الدين محمد، وكان وافر الحشمة جميل السيرة حَسَن التأدية للخطبة طيب النغمة، وتوفي بدر الدين في سنة 742، فعهد السلطان بالخطابة للشيخ تقي الدين السبكي، فلما استدعي للقاهرة وشاع أنه محاسب مهدد ولعله معزول، تطلع أن تعود الخطابة إليه ابن آخر للقاضي جلال الدين القزويني، هو تاج الدين عبد الرحيم، وبلغه أو تفاءل أنه قد حازها فعلاً، فصعد المنبر في الأموي قبل الخطبة، وخاطب المصلين قائلاً: هذا السبكي، أخذ منا الخطابة وقطع رزقنا! وبكى، فبكى العوام معه وتعصبوا له، فلما رجع السبكي من القاهرة معززاً مكرماً قام عليه العوام وكادوا يرجمونه فترك السبكي له الخطابة فاستمر فيها إلى أن مات في الطاعون العام في سنة 749، وكانت جنازته حافلة جداً، مع أن المؤرخين يذكرون أنه لم يكن له يد في شيء من العلوم البتة!

ونورد بعضاً مما جاء في مرسوم تكليف السبكي بالخطابة وهو كما نرى أنموذج عريق للكتابة التي شاعت في الحقبة المملوكية: ولما كان المجلس العالي، القاضوي، الشيخي، الكبيري، العالمي، الفاضلي، الأوحدي، الأكملي، الرئيسي، المفوهي، البليغي، الفريدي، المفيدي، النجيدي، القدوي، الحجي، المحققي، الورعي، الخاشعي، الناسكي، الإمامي، العلامي، الأثيلي، العريقي، الأصيلي، الحاكمي، الخطيبي، الشهابي، جمال الإسلام والمسلمين، شرف العلماء العاملين، أوحد الفضلاء المفيدين، قدوة البلغاء المجتهدين، حجة الأمة، عمدة المحدثين، فخر المدرسين، مفتي المسلمين، معز السنة، قامع البدعة، مؤيد الملة، شمس الشريعة، حجة المتكلمين، لسان المناظرين، بركة الدولة، خطيب الخطباء، مذكر القلوب، منبه الخواطر، قدوة الملوك والسلاطين، ولي أمير المؤمنين أبو العباس أحمد أدام الله تعالى نعمته: هو الذي خَطَبَته هذه الخطابة لنفسها، وعلِمت أنه الكفء الكامل فنسيت به في يومها ما كان من مصاقع الخطباء في أمسها؛ إذ هو الإمام، الذي لا تسامى علومه ولا تسام، والعلامة الذي لا تدرك مداركه ولا ترام، والحَبر الذي تعقد على فضله الخناصر، والعالم الذي يعترف بالقصور عن مجاراة جياده الـمُناظر، والحافظ الذي قاوم علماء زمانه بلا منازع، وعلامة أئمة أوانه من غير مدافع، وناصر السنة الذي يذب بعلومه عنها، وجامع أشتات الفنون التي يقتبس أماثل العلماء منها، وزاهد الوقت الذي زان العلم بالعمل، وناسك الدهر الذي قصر عن مبلغ مداه الأمل، ورَحَلة الأقطار الذي تُشدُّ إليه الرحال، وعالم الآفاق الذي لم يسمح الدهر له بمثال - اقتضى حُسن الرأي الشريف أن نرفعه من المنابر على عليِّ درجها، ونقطع ببراهينه من دلائل الإلباس الملبسة داحض حججها، ونقدمه على غيره ممن رام إبرام الباطل فنقض، وحاول رفع نفسه بغير أداة الرفع فخفض.

وفي أول سنة 742 توفي، عن 86 سنة، الحافظ جمال الدين أبي الحجاج المزي، يوسف بن عبد الرحمن، فصلى عليه قاضي القضاة تقي الدين السبكي، وبوفاته شغرت مشيخة دار الحديث فرشح لها تقيُّ الدين الإمامَ الذهبي، ولكنه لم يكن أشعرياً على شرط الواقف، فانتهى الأمر أن أوكلت إلى السبكي، وكان من قبل قد سمع عليه الحديثَ الحافظان المزي والذهبي.

وفي سنة 745 توفي شمس الدين ابن النقيب، محمد بن أبي بكر، المولود سنة 661، فخلفه كذلك السبكي في التدريس في المدرسة الشامية البرانية، وتولى خطابة الجامع الأموي فترة ليست بالطويلة، وفي ذلك قال الإمام الذهبي رحمه الله:

ليَهْنَ المنبرُ الأموي لما ... علاه الحاكم البحر التقيُّ

شيوخ العصر أحفظُهم جميعاً ... وأخطبُهم وأقضاهم علي

وكانت العلاقة بين السبكي وبين الذهبي علاقة وثيقة، ويشير إليه الإمام الذهبي في العبر وفي ذيل تذكرة الحفاظ بلفظ شيخنا، ويذكر رأيه فيما سأله الذهبي عنه حول الرجال، وقال الذهبي في المعجم المختص يذكر القاضي تقي الدين: القاضي، الإمام، العلامة، الفقيه، المحدث، الحافظ، فخر العلماء... إلى أن قال: وكان صادقاً، متثبتاً، خيِّراً، ديناً، متواضعاً، حسن السمت، من أوعية العلم، يدري الفقه ويقرره، وعلم الحديث ويحرره، والأصول ويقرئها، والعربية ويحققها، وصنف التصانيف المتقنة، وقد بقي في زمانه الملحوظ إليه بالتحقيق والفضل، سمعت منه وسمع مني، وحكم في الشام، وحمدت أحكامه، فالله يؤيده ويسدده، سمعنا معجمه في الكلاسة. ولما احتُضر الذهبي عاده السبكي ليلة مات في 3 ذي القعدة سنة 748، وقال له: كيف تجدك؟ فأجابه: في السياق.

ولكن العلاقة بين الشيخ تقي الدين وبين الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية لم تكن على ما يرام، وذلك لأن ابن القيم كان متصدياً للإفتاء باختيار ابن تيمية في فتواه الخاصة بالطلاق، ولكنهما تصالحا في سنة 750 بمسعى من الأمير سيف الدين بن فضل بن عيسى بن مهنا، أحد أمراء الأعراب الأجواد.

وفي رمضان من سنة 755 توفي، عن 23 سنة، جمال الدين حسين ابن تقي الدين السبكي ونائبه في القضاء، والمدرس في عدة مدارس، وكان سمح الأخلاق واسع العلم، فكانت له جنازة مشهودة، وحضر والده وهو يهادي بين رجلين، وقد ظهر عليه الحزن والكآبة، فصلى عليه إماما في الأموي، ثم دفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لآل السبكي، ومات بعده في ذي القعدة من نفس السنة نائبه في الحكم، جمال الدين الحُسباني، المولود سنة 670، وكان السبكي يثق به ويعتمد في الأحكام المعضلة عليه، فكانتا خسارتين كبيرتين توالتا على الشيخ الكبير، وعبر عن ذلك الصفدي في مرثية قالها للقاضي الشاب:

قاضي القضاة تصبّر ... فالخطب فيه جسيمُ

لكنّ مثلك راسٍ ... لمَّا تخفّ الحلوم

إذا بقي أخواه ... فسوف تؤس الكُلوم

يصافح الحور منه ... في الخلد كفٌّ كريم

وأنت تعلم أنّ الذي دعاه رحيم

وما تُقاك ضعيفٌ ... ولا نُهاك سقيم

وكلّنا سوف نمضي ... وما عليها مقيم

ومرض تقي الدين السبكي قبل وفاته بفترة وجيزة، ويبدو أنه شعر بدنو الأجل، وأراد أن تكون وفاته في أرض آبائه وأجداده، فاستعفى من القضاء، ورجع إلى مصر، فأقام فيها أقل من عشرين يوماً ، ثم توفي في الثالث من جمادى الآخرة من سنة 756، ولما مات وجدوا عليه 32.000 درهم ديناً، فالتزم ولداه تاج الدين وبهاء الدين بوفائها.

وقبل أن يعود الشيخ إلى القاهرة أرسل إليها قبله حفيده الناشئ في حجره بدمشق، محمد بن بهاء الدين أحمد، المولود بالقاهرة سنة 645، ولكن ليس قبل أن يلقي درساً تقر به عين جده قبل موافاة الأجل، فألقى درساً حضره الجد متحاملاً على مرضه، وتوفي هذا الحفيد في سنة 664، رحمة الله عليهم جميعاً.

لتقي الدين السبكي مؤلفات كبيرة كثيرة تدل على تنوع علمه وغزارته، وقد ذكر الأستاذ الزركلي في ترجمته في الأعلام أنه رأي بخطه عدداً من كتبه في القدس والرباط، وله تفسير لم يكتمل أسماه: الدر النظيم في تفسير القرآن العظيم، وله في الفقه الشافعي كتاب الابتهاج في شرح المنهاج للإمام النووي، وصل فيه إلى الطلاق في ثمانية أجزاء، وباشر السبكي في تكملة شرح المهذب للشيرازي، الذي كان الإمام النووي قد بدأ به ووصل به إلى باب الربا، فكتب من ذلك أبواباً في ثلاثة مجلدات، ثم توفي ولم يكمله، وشَرَح في الفقه الشافعي كتاب مختصر التبريزي وأسمى شرحه: الرقْم الإبريزي في شرح مختصر التبريزي، وله كتاب السيف المسلول على من سب الرسول، والذي صنفه في رمضان سنة 734، وكتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام والرد على منكري ذلك، وهو رد على قول ابن تيمية أن الغرض من زيارة المدينة ينبغي أن يكون زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، وأن زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم هو تبع لذلك لا أصل في الزيارة وشد الرحال. وله كذلك فتاوى مجموعة، وعديد من المصنفات تبلغ أكثر من 150 مصنفاً، وتتناول كذلك مواضيع متميزة مثل مصنفه قطف النور في مسائل الدُور، الذي يتناول القضايا المتعلقة بالمساكن.

ولاشك أن تقي الدين السبكي بلغ مرتبة عليا في الاجتهاد، واختياراته الفقهية لها وجاهتها وتدل على أفق فكري فقهي لا يكاد يحده حد، ومنها ما توصل إليه في كتابه العَلَم المنشور في إثبات الشهور، من رفض رؤية الهلال إذا كان الحساب يقول باستحالة الرؤية، ومنها كذلك قياسه تقبيل المصحف على تقبيل الحجر الأسود، وأن سبب تقبيله ما ورد أنه يمين الله في الأرض، والعادة تقبيل يمين من يقصد إكرامه، ومنها قوله بنبوة مريم بنت عمران ويشهد لذلك ذكرها في سورة الأنبياء مع الأنبياء.

وإلى جانب هذه المصنفات استفاد من تقي الدين السبكي كثيرٌ من علماء عصره في مصنفاتهم، وقد سبقت الإشارة للذهبي في هذا الصدد، ونذكر كذلك ابن أيبك، صلاح الدين الصفدي، خليل بن أيبك، المولود سنة 696 والمتوفى سنة 764، والذي خرج معه من القاهرة إلى دمشق عندما كلفه السلطان بالقضاء، وينقل الصفدي عنه كثيراً في كتابيه الوافي بالوفيات وأعيان العصر، مشيراً إليه بالعلاّمة، وكذلك عبد القادر القرشي الحنفي، المولود سنة 696 والمتوفى سنة 775 بالقاهرة، ينقل عنه في الجواهر المضية في طبقات الحنفية ويشير إليه بلفظ شيخنا، وممن أخذ عنه كذلك الفيروزابادي صاحب القاموس المحيط، المولود في شيراز سنة 729 والمتوفى بزبيد في اليمن سنة 816، وذلك عندما دخل دمشق سنة 755، وذكره في القاموس فقال: وسُبْكُ العَبيدِ قرية بمصر منها شيخُنا علي بن عبد الكافي.

ولئن غلب الحنين إلى الأوطان تقيَّ الدين السبكي فرحل عن الشام ليدفن في القاهرة، إلا أنه ترك في الشام وارث علمه وابنه تاج الدين عبد الوهاب، المولود سنة 727 بالقاهرة والمتوفى سنة 771 بدمشق، وكان فقيهاً عالماً مؤرخاً طلق اللسان قوي الحجة، انتهى إليه القضاء في الشام ولقب بقاضي القضاة، وجرت عليه محن وشدائد، قال ابن كثير: ما لم يجر على قاض مثله، تعصب عليه شيوخ عصره، فعُزل وأمر به السلطان فأتي به من دمشق إلى القاهرة مقيداً مغلولا، ثم أفرج عنه وعاد إلى دمشق فتوفي بالطاعون، وله تصانيف مهمة في التاريخ والفقه أهمها طبقات الشافعية الكبرى، وجمع الجوامع في أصول الفقه، والأشباه والنظائر في الفقه.

وولي تاج الدين في حياة والده توقيع الدَست بالشام بين يدي ملك الأمراء الأمير علاء الدين أمير علي بن علي المارديني نائب الشام، فكتب إليه أبوه تقي الدين:

أقول لنجلي البر المفدى ... مقالا وثقت منه عراهُ

وليتَ كتابة في دست ملك ... رست أحكامه وسمت ذراه

فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك في القيامة أن تراه

ولا تأخذ من المعلوم إلا ... حلالا طيبا عطرا ثراه

ونصحك صاحب الدست اتخذه ... شعارك فالسعادة ما تراه

ثلاث يا بني بها أوصّي ... فمن يأخذ بها يحمد سراه

وتقوى الله رأس المال فالزم ... فما للعبد إلا من براه

ولتقي الدين السبكي ابن أكبر هو بهاء الدين أحمد، المولود سنة 719، والذي درس على كبار مشايخ عصره برعاية والده، وأذن له بالإفتاء والتدريس وعمره عشرون سنة، وصار قاضياً في دمشق والقاهرة، ثم انقطع عن الدنيا وتزهد، وأقبل على العبادة، وجاور بمكة، وله مصنفات في الفقه والبيان وديوان شعر، وتوفي في مكة سنة 773.

وكان لتقي الدين السبكي ابنة أكبر من تاج الدين اسمها ستيتة، كانت لها مشاركة في سماع الحديث وروايته وتوفيت في القاهرة سنة 776، وكان للسبكي بنات أخريات تزوج إحداهن أحد نواب الحكم في دمشق، من أسرة المنجى الحنبلية، وهو محمد بن محمد بن المنجا التنوخي، المتوفى سنة 770، والذي درّس في مساجد دمشق ووصف بالسنة والدين والصيانة.

وكان للسبكي بستان في سفح قاسيون وتربة دفن آل السبكي فيها أمواتهم، وقد أقامت أمانة العاصمة بعد الاستقلال السوري في محل هذه البستان حديقة جميلة في دمشق الفيحاء، عهدي بها جميلة غناء تتوسطها بركة ماء كبيرة يسبح البط الصغير بها، بقيت ذكرى لهذا العلم الجليل والقاضي الفرد الذي أحبته دمشق في حياته، ووفت له بعد مماته بقرون.

ونختم بأبيات كتبها الإمام الذهبي إلى قاضي القضاة تقي الدين السبكي، رحمها الله تعالى ولعله آخر شعر نظمه الذهبي:

تقي الدين يا قاضي الممالك ... ومن نحن العبيد وأنت مالِكْ

بلغتَ المجد في دين ودنيا ... ونلت من العلو مدى كمالك

ففي الأحكام أقضانا عليٌّ ... وفي الخدام مع أنس بن مالك

وكابن معين في حفظ ونقد ... وفي الفتوى كسفيان ومالك

وفخر الدين في جدل وبحث ... وفي النحو المبرد وابن مالك

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين