الوسطية بين الآلام والآمال

إذا كان ما يقع في سورية على مدار الساعة مصائب لا حصر لها فإني بت أرى أن الحديث دائما فيها والوقوف عندها فقط مصيبة أخرى وهي خطيرة على الأمة ايضا ٠ لماذا يا ترى ؟ لأننا إذا لم نكتب إلا في المآسي فمعنى ذلك أن الأمة لن تسمع منا شيئا عن القرآن الكريم والسنة المطهرة وكنوزهما ولن تقرأ من كتاباتنا عن السيرة النبوية وحياة الصحابة الكرام ومعنى ذلك أن الأمة ستجهل مستقبلا فقه دينها فمن الضروري أن يكونا موقفنا متوازنا بحبث نبقى على قرب من مواضيع الواقع المؤلم، لكن بشرط أن لا يمنعنا هذا الواقع المرير عن تنوير الأمة وتبصيرها بكل ما تحتاجه هذه الأمة على كل صعيد فقها وتفسيرا وتوجيها وتاريخا.

أقول هذا لأني شخصيا أحسست أنه صار ينتابني شعور آسر وهو أنني إذا كتبت في الأدب وابتعدت عن إدلب فقد خنت الأمة وإذا تكلمت في الأخلاق فقد أدرت ظهري لجرائم الظالمين، وإذا حاورت في الفقه أو اللغة فقد بعت الوطن ونسيت الحرائر والأطفال، وهنا شعرت شخصيا بالخطأ لذلك ومع كل ما يعانيه الدعاة والعلماء من تألم على الأمة وكوارثها أرى أن لا يبقى الواحد منهم حبيس الآلام بحيث لا تلامس كتاباته أي موضوع آخر مما تحتاجه الأمة عقديًّا او عباديًّا او خلقيًّا وإن أجيالنا التي حرمت من مساجد سورية ودروسها وفقدت مشايخ الفقه والدعوة وعطشت إلى توجيه رجالات المنبر والمحراب هذه الأجيال تحتاج منا شيئا آخر غير الحديث في الدماء والأشلاء والدمار والخراب فلنحاول الخروج وإخراج الأمة وشبابها من جاذبية الصدمة والآلام لندخل وإيَّاهم في جاذبية الأمل بالله القادر على تحقيق الآمال ففي الحديث الشريف الصحيح ( إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حقٍّ حقه ) وكذلك يمكن أن نقول على هامش هذا الحديث الشريف: إن لوطنك عليك حقا، وإن لآلام الأمة عليك حقا، ويمكن أن نقول: إن لأجيال الامة علينا حقا أن نبصِّرها في أمر معاشها ومعادها فلنعطها حقها أيضا ولنكتب لها ولنسمعها ما يجعلها على الجادة على مختلف الأصعدة.

اللهم يامن لا يشغله شأن عن شأن

ألهمنا الصواب بحيث لا إفراط ولا تفريط وعجِّل بالفرج بارب العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين