إتمام الإسلام .. دعوة للإيمان

لن يجزم بقدرته على إتمام أمرٍ إنسانٌ يمكن أن يوافيه أجله قبل ذلك.

حتى وإن أتم ما أعلن أنه سيتمّه فإنه لا يملك أن يجعل ذلك قبيل وفاته.

يصعب هذا إذا كان تأليفاً أو بحثاً أو دراسة، فكيف إذا كان منهجاً يشمل الحياة كلها على هذه الأرض: أسرةً واجتماعاً وسياسةً واقتصاداً؟ إنه مستحيل على بشر مجتمعين فكيف يكون على فرد واحد ؟!

لقد تعددت الآيات القرآنية التي يخبر الله سبحانه فيها بأنه سيتم نعمته، نعمة الإسلام:

"ومن حيثُ خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون"[البقرة: 150].

"ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرونْ"[المائدة: 6] .

"إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً"[الفتح : 1-2 ].

"يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون" [التوبة : 32] .

"يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" [الصف: 8].

ثم بعد هذه الآيات كلها، وقبيل وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينزل قوله تعالى:"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"[المائدة: 3] .

يقول القرطبي في قوله تعالى: "وأتممت عليكم نعمتي" : أي بإكمال الشرائع والأحكام وإظهار دين الإسلام كما وعدتكم إذ قلت: ]ولأتم نعمتي عليكم[ (1).

ويقول – يرحمه الله – في قوله تعالى : "اليوم أكملت لكم دينكم" وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين كان بمكة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حج، فلما حج وكمل الدين نزلت هذه الآية (2).

ولقد أدرك عمر – رضي الله عنه – حين نزلت هذه الآية أنها تعني دنو أجله صلى الله عليه وآله وسلم فبكى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "ما يبكيك؟" قال: أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذ كمل فإنه لم يكمل شيء إلا نقص، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "صدقت" (مسند الإمام أحمد)،وانتقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى بعد ثلاثة أشهر تقريباً من نزول هذه الآية.

إن التأمل في هذا يزيد المؤمن إيماناً بربه ونبيه ودينه، ويحث غير المؤمن على المراجعة، مراجعة عدم إيمانه بهذا الدين الحق ورسولهصلى الله عليه وآله وسلم .

لقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعدي بن حاتم: "فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف البيت من غير جوار أحد"، ويشهد عدي الذي رأى وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحقق فيقول: "فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت من غير جوار أحد" (3).

وأرجو أن يلاحظ القارئ ما لاحظتُه من اشتراك بين آية البقرة التي يعد الله تعالى فيها بإتمام النعمة وآية سورة المائدة التي يعلن فيها سبحانه إتمام هذه النعمة، لقد تكرر في الآيتين أمره تعالى للمؤمنين "فلا تخشوهم واخشوني"، يقول تعالى في آية البقرة : "فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم"، ويقول في آية المائدة: "فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي"، فكأنما إتمام النعمة يطمئن المؤمن فلا يخشى أحداً من الناس، إنما يخشى الله وحده، يقول القرطبي : "الخشية أصلها طمأنينة في القلب تبعث على التوقي، ومعنى الآية التحقير لكل من سوى الله تعالى، والأمر بإطراح أمرهم ومراعاة أمر الله تعالى".

ومع هذا فثمة اختلاف طفيف بين الأمر بخشيته سبحانه في الآيتين، ففي آية البقرة جاء الأمر بقوله سبحانه: "واخشوني" بالياء، وجاء الأمر في آية المائدة دون ياء "واخشون" فكأنما تمام النعمة، وقد رآه المؤمنون واقعاً، يجعل خشيتهم لله أقرب وأقصر طريقاً.

يبقى أن نتأمل الكلمتين الأخيرتين من آية البقرة لأنهما تدعوان إلى الاهتداء إلى الإسلام: "ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون"، أجل "ولعلكم تهتدون"، فإن تمام النعمة ينبغي أن يكون سبباً في اهتداء كل إنسان إلى أن الإسلام هو الحق .. وما بعد الحق إلا الضلال.

(1) القرطبي: ج6، ص62 .

(2) القرطبي: ج6، ص61 .

(3) مسند الإمام أحمد .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين