الثورة على التراث

يظنُّ بعض من الدارسين والباحثين المعاصرين أن تراثنا وعلومنا التي ورثناها عمَّن قبلنا هي سبب تخلفنا... فلا بد من الثورة عليها والتخلص منها ... ومن هؤلاء: زكي نجيب محمود وآخرون جاؤوا بعده منهم محسوبون على الفكر الإسلامي...

ونحن لا نقول: إن كل شيء في تراثنا جميل ورائع ... فهو جهد بشري .. ولكن هذا الجهد يستحق منا كثيرا من التبجيل والتقدير فهو مفخرتنا يوم أن كانت أمتنا تقود العالم ... فليس صحيحا أن نوجِّه كل أسباب إخفاقنا الحضاري إلى تراثنا ... وكأننا أمة بلا إرادة ولا فكر.. وليس صحيحا أن لا نتطلع إلى بناء المستقبل حتى ننتهي من غربلة التراث ومراجعته، وليس صحيحا أن ندعو للقطيعة مع التراث فنصبح بلا حاضر ولا ماض

إنَّ تحميل عبء تقهقرنا الحضاري على أجدادنا منطق غير سليم وظاهرة أن ( يلعن آخر هذه الأمة أولها) هي من علامات القيامة لا النهضة الحضارية المرتقبة.

غير صحيح أبدا أن نجعل قضايا المرأة والطلاق وتضعيف الحديث أو تصحيحه ونقد الفقهاء والعلماء هو سبيلنا نحو النهضة ... فهذه أضغاث أحلام ... لنجمّد الاختلافات الثانوية قليلا... وليحترم كل واحد وجهة نظر صاحبه، ولنبحث في الأسباب الحقيقية لنهضة الأمم الأخرى وفي مقدمتها الاقتصاد والعلم والحريات.

كتبت لأحدهم ينادي بالثورة على التراث ويظنه هو الفتح المبين: مفروض أن لديك عقلا علميًّا تبحث عن التطوير الإداري والاقتصادي والتكنولوجي، وهي من الأشياء التي نهض بها الغرب والصين بدلا أن تبحث عن جزئيات لا تسمن ولا تغني من جوع في ثورتكم على التراث ودعوتكم لتطيب المرأة وزينتها ومرورها بين الرجال والاختلاط التامّ و.... وكأن المجون والانحلال هو سبيل النهضة ولا سبيل غيره!

إن تجديد الفقه أو اختراع فقه جديد ليس هو سبيل نهضتنا .. فهناك أمم تقدمت ولم تلعب بتراثها كالصين والهند واليابان...

لماذا نربط التطور الحضاري بالثورة على التراث العلمي والفقهي ولا نجمع بين الأصالة والمعاصرة ؟!

إنَّ الإسلام دين واضح ربَّاني المصدر ... وعلينا أن نقبله كما جاء ( ويسلموا تسليما) فلا تعديل ولا تبديل له...

وما الثورة على الفقه إلا باب فتنة للثورة على النصوص الشرعية التي ولد منها هذا الفقه..

كيف تنهض أمة إذا كان مفكروها وشعراؤها يدورون حول قضايا المرأة فقط ؟! 

وكما قال نزار: من جسمك تنطلق الغزوات ومنه سيبتدئ التحرير!

إن من يحوم حول أمور ثانوية ويجعلها عظيمة ويربط التطور بها واهم.

ألا يكفينا الفقهاء الأربعة والعقيدة الطحاوية وكتب السنة وشروحها حتى نعيد الكلام في أمر قد فرغ منه.

دعونا نواجه مشكلات النمو والواقع وتحديات المستقبل...

مشكلات البيئة .. البطالة .. الفقر .. الجوع .. الحروب وويلاتها .. الأمراض .. الجهل .. الطغيان .. العنف ..

التراث ليس فيه معلومات عن الصناعات الكيميائية والذرية والجرثومية وغزو الفضاء ...

الإصرار على التعديل والتغيير والتنقيب والتنقيح في الدين والتراث باسم (( التجديد)) هو خدعة كبيرة إذ سنحطم ماضينا بأيدينا ( يخربون بيوتهم بأيديهم) ولا مستقبل لمن لا جذور له ولا أسس .. إذ كيف يقوم بنيان شاهق بلا أساس عميق له تحت الأرض؟!

اللهم نسألك الرشد والهداية لنا ولكل من عليها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين