صور وعبر من عجائب القدر

المؤلف: د. عبد المجيد البيانوني

قصص واقعية لم يبتكرها خيال المؤلف، وإنما عرف بعضها برجالها وأشخاصها، ومنها ما سمعه من الثقات، أو سجلته كتب التاريخ من واقع حياة أصحابها، وقد بلغ عددها ست قصص تفاوت حجم صفحاتها، فتجاوزت اثنتان منها خمسين صفحة، فتخطت ما حدد بعض النقاد للقصة القصيرة من عدد كلمات وأفكار وزمن..

ففي قصة (هذا أنا! فمن أنت) استطاعت (زهراء) بنظرة إنسانية أن تكتشف أن (فالح) ليس كما وصفه الآخرون، فهو لا يعاني من خَبَل أو بَلَهٍ، وحين أصرت على الزواج منه تبين لها أنه مُعافى من كل عيب، فسعدت به زوجاً ذا خلق ودين!

وفي (غرس لا يموت) نشأ في حلقات القرآن، ثم درس في بلاد الغرب وتفوق وتزوج وأقام، فطال عليه الأمد إلى أن جاء من يُذكره، ويُعيده إلى ماضيه الذي كان واقعه الجديد يطمسه فكان كرسي مصحف قديم بعثت به أمه إليه أقوى وأكبر من كرسي المنصب وفي (لقمة الحلال) صورة أخرى لطالب علم، يعيش في ضيق ويصل إلى حد الحاجة، ولكنه لم تسمح نفسه أن يقبل مساعدة أحد، ولم يشأ أن يأكل لقمة فيها شبهة – مع جوعه- فجعلها الله له عن طريق الحلال، ورزقه امرأة صالحة ذات خلق ومال، عاد بها بعد أن أنهى دراسته في الأزهر إلى أهله في حلب، فكانت نعم المرأة المسلمة المرشدة!

وفي (ومن يتق الله) من ترك شيئاً لله عوضه خيراً منه، فقد افتقر وهو ذو عيال، ولكنه خشي أن يكون عطاء صديقه الأمير فيه شبهة، فرده معتذراً، وعاد خاوي الوفاض ليفاجأ بأن أحد أصدقائه الصالحين قد توفي، وأوصى له بأرض خصبة واسعة!!

وفي (هروب) عمل جلاداً بسبب حاجته وتورطه – كما يزعم- فغدا آلة تتحرك بلا إحساس ولا شعور في قهر الناس وسفك دمائهم حتى قيض الله له من زملائه القدامى من يذكره بعقاب الله، فأفاق قبل فوات الأوان، وفرَّ مع مجموعة من مسجونيه إلى خارج البلاد، بعد أن نجا من القوم الظالمين.

وفي قصة (التفريط) اكتشف الشيخ فاضل وهو يتوسط الشاب المنحرف لدى أبيه، أن هذا الأب لم يحسن اختيار الأم ولا طريقة زواجه منها، فأعيته تربية الابن الذي أصبح جانحاً منحرفاً في الكبر.

يستلهم المؤلف أسلوب الرافعي وطريقته في عدم انفصال الأدب عن الدين، ويظهر تأثره به في وصفه للقرآن إلى حد أنه يمزج بين ما يكتبه عنه، وما كتبه الرافعي. كما يبرز في هذه المجموعة صفاء العبارة ورقة الألفاظ مع فصاحتها، وأما شخصيات هذه القصص فهي أكثر خيّرة قد تفضل أو يصل بها الأمر إلى الانحراف ولكنها تؤوب إذا ذكرت ووجدت من ينبشها، وحتى الشاب المنحرف في قصة التفريط حاول أن يكون صالحاً.. وفي جميع القصص يوفق أشخاصُها في النهاية للخروج من أزماتهم إلا في (التفريط) وكأن الكاتب يريد أن يقول: إن من الصعوبة تدارك التفريط، فهو الداء العضال؟!

وأما قصة (هروب) فقد اقتربت من الواقع أو صورته عندما حددت الأماكن والأسماء ولكنها ابتعدت عن النموذج وهو كثير ليس محصوراً في مكان؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين