الكتابة في دوائر الخوف المتشابكة!

رويَ عن أحد الخلفاء قوله: شيّبتني أعواد المنابر، فأنا أعرض عقلي، على الناس، كلّ أسبوع ! وذلك أنه يخطب في الناس ، يوم الجمعة ، في أحد المساجد !

وهو محقّ ، في ذلك ؛ فليس سهلاً ، على المرء ، أن يعرض عقله على الناس ؛ فالكلام هو نتاج العقل ، وهو نافذة الناس الأساسية ، عليه ! وقد قال أحد الحكماء ، لشخص صامت في مجلسه : تكلّم لأراك ! والشاعر يقول :

إنّ الكلامَ مِن الفؤاد ، وإنّما = جُعلَ اللسانُ ، على الفؤادِ، دَليلا !

فما ذا يقول ، مَن ابتُليَ بمهنة الكتابة ؟ إنه يَكتب ، ضمن دوائر شتّى، من الخوف ! والحديث، هنا، هو، عن العقلاء ، الذين يحرصون ، على انتقاء كلماتهم ، حين يوجّهونها إلى الآخرين ! أما الجهلة والحمقى ، فليس لديهم إحساس : بالكلمة ، وأهمّيتها ، ونظر الآخرين إليها ، وإلى قائلها !

أمّا دوائر الخوف ، التي تحاصر الكاتب ، حين يؤدّي واجب الكتابة ، فهي متنوّعة ، من أهمّها :

الخوف من الخطأ في اللغة ! ( وهذا خوف خاصّ ، بمَن يحرصون على الكتابة ، بلغة عربية فصيحة ، خالية من الأخطاء ، ويَعدّون الخطأ ثلمة بشعة ، في النصّ المكتوب) !

الخوف من الخطأ ، في معالجة الأفكار ، بشكل عامّ ، وفيما يتصل بالعقيدة ، بشكل خاصّ؛ لحساسية موضوع العقيدة، لدى المؤمنين !

الخوف من التناقض ؛ تناقض المادّة المكتوبة ، مع الواقع ، أو تناقض الأفكار، داخل النصّ المكتوب !

الخوف من الخطأ في السياسة ، مثل : المسّ بسياسة دولة ، يحرص الكاتب على رضاها ، أوعلى عدم الإساءة إليها ؛ لأسباب شخصية ، أو حزبية .. أو لأسباب تتعلق بسياسة دولته !

الخوف من إيذاء الناس ، أفراداً ، أو جماعات ! والأذى أنواع ، منه : مايمسّ الفرد ، نفسه ، ومنها مايمسّ أحد أفراد اسرته ! ومن مسبّبات الأذى : الشتم والقدح ، والتُهم الباطلة..ونحو ذلك! وممّا يؤذي الجماعات ، كالأحزاب والقبائل : الشتم والتجريح ، والتّهم الباطلة ؛ بفساد الأخلاق، أو بالعمالة لجهة أجنيبة..أو نحوذلك!

الخوف من استهجان القرّاء ، أو من عدم ارتياحهم ، لما يُكتب ، ممّا يدعوهم ، إلى الانصراف عنه ، وعدم الإفادة منه ، أو عدم التأثّر به ؛ إذا كان التأثير به ، ممّا يحرص عليه الكاتب !

الخوف من الانزلاق، إلى الرياء، عبر الحرص على إرضاء الناس، على حساب الإخلاص لله، في الكتابة ! (وهذا النوع من الخوف ، مقتصرعلى المؤمنين ، الحريصين على الكتابة ؛ إرضاء لله ، وابتغاءَ وجهه) !

الخوف من مقصّ الرقيب ! ( وهو خوف خاصّ ، بمَن يكتبون لصحف ، لا يضمنون فيها ، إعجاب الرقيب ، بما يكتبون ، أو موافقته عليه ) !

الخوف من أن يُفهم بعض الكلام ، على غير الوجه ، الذي أراده الكاتب ، فيلام الكاتب ، أو تعاب عليه ، طريقة معالجته ، لفكرة ما ، في نصّه ! وهذا ممّا عبّرعنه المتنبّي ، بقوله :

وكَمْ مِن عائبٍ قولاً صَحيحاً =وآفَتُه مِن الفَهم السَقيمِ

ولكنْ تَأخذُ الأذهانُ منهُ =على قَدرِ القَرائح والفُهومِ

الخوف من تسرّب أهواء النفس : كحبّ الشهرة ، وحبّ الظهور، وحبّ الغلبة .. إلى نيّة الكاتب، قبل العمل ، أو في أثنائه؛ فيضيع ثوابه ، المرجوّ عند الله ! ( وهذا خوف خاصّ بالمؤمنين ، الذين يبتغون وجه الله ، فيما يكتبون) !

الخوف من تسرّب أمراض القلب : كالحقد ، والكِبر، والعُجب ، إلى النيّة الخالصة لله ، فتُضيع ثواب العمل ، عند الله ! ( وهذا خوف خاصّ بالمؤمنين ، الذين يرجون ثواب الله، فيما يعملون)!

رويّ عن أمير المؤمنين الفاروق ، أنه حمل قربة الماء ، ودار بها على الحاضرين ، يسقيهم ، فقيل له : لو شئتَ لكفيناك ! فقال : أعجبتني نفسي ، فأحببتُ أن أهينَها !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين