توجيهات عامة للمدرسين

الشيخ مجد مكي

 

إِنَّ المناهـج والكتبَ الدراسيـة مهمـا كانت صالحةً، جَيِّدةَ الإِعداد؛ فلن تكون لها النتائج الطيِّبة المرجُوَّة إِلاَّ إذا قيَّضَ الله تعالى لها (المعلم الصالح)، فطبَّقها بروحٍ تربوية واعية. فالمعلم الكفء هو العنصر الأهم في عملية التربية والتعليم، وهو الَّذِي يعطي مادة الدرس روحاً وحياةً، ويجعل منها نوراً تضيء به العقول والنفوس، لا مُجرَّدَ ألفاظٍ تُحشى بها الرؤوس.

فإذا وُفِّقَ المعلم في أداء واجبه أهدى إلى الأمة أجيالاً مؤمنة صالحة مستنيرة، وعلماء حكماء، وأمناء أقوياء، عاملين مخلصين.

وإنَّ أول ما يُعين المعلِّم على واجبه، ويُمكِّنه من حُسْنِ أدائه، أن يُدرك عِظَمَ أمانته وخطورة مسؤوليته، وأن يجعل نُصبَ عينيه أنه يربـي قلوباً، ويكوِّنُ نفوساً، فيتجه إلى ما يكوِّنُ العقيدة السليمة، ويحقق الخُلُقَ الإِسلاميَّ القويم، ويُنَمِّي التفكير المنهجي الصحيح، ومما يعينه على أداء رسالته[هامش]:

1 ــ أن يكونَ اهتمامه بالتربية الإِيمانية والسلوكية والفكرية فوق اهتمامه بالتلقين والحفظ، وتكونَ عنايته منصرفةً إلى جواهر الأمور دون ظواهرها الخالية من اللباب.

2 ــ أن يُجيدَ إعداد درسه ليكون أبلغَ أثراً في نفوس المتعلمين، وأَدْعَى إلى حُسن تقبُّلِهم.

3 ــ أن يُعْنَى بعَرْضِ الموضوعِ أوَّلاً بطريقةٍ إجمالية كُلِّيَّةٍ، ينتقل منها إلى التفصيل والتحليل، وتجزئةِ الأفكار. ذلك أَنَّ البدء بالجزئيات عدا ما فيه من جفافٍ وعُسْرٍ، يُسبِّبُ الغموضَ ويمنع من الإِدراكِ الصحيح، والبصر الدقيق بحقيقةِ الموضوع.

4 ــ أن يصل دَرْسَهُ بالحياة المحيطة بالطلاب ليكون أقربَ إلى نفوسهم، وأوضحَ في عقولهم، وأقوى إيقاظاً لنشاطهم.

5 ــ أن يبذلَ جُهْدَهُ في ربط الطلاب بالدرس، ومشاركتهم الفَعَّالَة أثناء إلقائه.. فعَلى المعلم أن يَفْسَحَ المجال أمام طلابه لاستنباط الحقائق بأنفسهم مما يُمهِّده لهم في درسه، وعليه أن يطلب منهم تطبيق ما تَعَلَّمُوهُ بأمثلةٍ من عندهم، وليفسحَ أمامهم مجالَ السؤال والمناقشة والمشاركة للوصول إلى الحقائق، مع ربط العلم بالعمل.

6 ــ أن يُذْكي رُوحَ التنافس البنَّاءِ بينهم، ويكافىء كلَّ جهدٍ بالثناءِ والمديح، وإظهارِ الرِّضا والتشجيع، وإثارة الاقتداء للمتقاعسين، والتعريض بكل عملٍ سيِّـىءٍ دونما ذِكرٍ لصاحبه، بحيثُ يُلَمِّحُ ولا يُصَرِّح.

7 ــ أن يعوِّد الطلاب على حبِّ المطالعة، والرجوعِ إلى المصادر الأصليـة، وأن يكلفهم إعـداد البحوث وارتيـاد المكتبات بأنفسهـم، ويُنَمِّي فيهم روح التتبُّع لِما يَجِدُّ من الدراسات وما يصدر من الكتب، ولا بأسَ أن يجعل المدرس بعض دروسه في المكتبة تحقيقاً لهذا الغرض.

8 ــ أن يمنح طلاَّبه نصيباً من عطف الأُبُوَّة، فيستوعب نفوسهم، ويعيش مشكلاتهم، ويسعى لعلاجها.
9 ــ أن يأخذَ نفسه بالتزامِ كلِّ ما يدعو إليه ليكون القدوةَ الطيِّبةَ الماثلة، فَإِنَّ المثَل المرَبِّـي أنفذُ وأبلغُ من الحديث المسموع.

10 ــ أن يُغذِّيَ في قلوب طلاَّبه حقائقَ الإِيمان، ويدعوهم للتخلُّقِ بأخلاق المؤمنين، فليست أمور العقيدة مجرَّدَ مباحثَ نظريةٍ، بل هي علم وعمل وسلوك يعيشه المؤمن في عباداته ومعاملاته، وفي سِرِّهِ وعلانِيَتِهِ، وفي أيام رخائه وأيَّامِ شدَّته.

11 ــ أن يربطَ المدرسُ بينَ الإِيمانِ والعلمِ، وأن يدعوهم إلى التأمُّلِ في آياتِ الله الكونِيَّةِ والنفسيَّة، ويُعَوِّدَهم الانتقالَ من هذا التأَمُّل إلى معرفة عَظَمَةِ الله سبحانه وقدرته والعبودية له.

وبعد؛ فَإِنَّ الكُتُب والمناهج ليست كل شيء في عَمَلِيَّةِ التربية والتعليم، والناحية النظرية (المعرفية) ليست إلاَّ جانباً من جوانب شخصية الإِنسان، وهناك الجانب العملي الذي تساعد على تنميتِه أنواع النشاط الذي يتمُّ في جوِّ المدرسة خارج الفصل؛ وبخاصة النشاطات الثقافية من خطابةٍ ومحاضراتٍ وندواتٍ ومجلاتِ حائطٍ ومجلاتٍ عامة ومسابقاتٍ مدرسية، ليَتِمَّ بناء الشخصية المسلمة القوية المتكاملة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين