مع الدكتور محمد كمال الشريف والديمقراطية الإسلاميَّة

قرأت ما كتبه الدكتور محمد كمال الشريف بعنوان: ديمقراطية الإسلام، حيث بدأ بتعريف الديمقراطية بأنها حكم الشعب بالشعب وللشعب، أي أن الأمَّة هي تلي أمر نفسها، أما رئيسها وباقي المسؤولين فهم موظفون عند الأمَّة لا يحق لهم أن يستبدوا بالقرارات الهامة...الخ.

وهذا التعريف لا خلاف فيه، والديمقراطية هي كذلك في مفهومها وتطبيقاتها.

ثم يقرر الكاتب أن الشورى هي الديمقراطية إذا كانت ملزمة للحاكم، ثم يخلص إلى القول بأن الديمقراطية في حقيقتها ليست إلا من مبادئ الشرع، فهي كالشورى الملزمة.

ولا شك أن هذا فهم سطحي للديمقراطية، واختزال لها في بعض صورها الجزئية البعيدة عن مفهومها الحقيقي كما حددها أصحابها وبالتالي فهي مختلفة عن مبدأ الشورى ف يالاسلام للأسباب التالية:

1 – إن الشورى في الإسلام تعني أن الحكم للأمة والسيادة للشرع، فالأمة تحاسب الحاكم ومن معه وتقرر عزله إذا رأت منه انحرافاً أو تجاوزاً لحدود الله تعالى، ولكن حق التشريع هو لله سبحانه وليس للأمة، فلو أن الأمَّة ومن خلال البرلمان أو المجلس التشريعي اختارت بالأكثرية تحليل الربا أو الزنا أو شرب الخمور أو مساواة المرأة بالرجل في الميراث، أو الشذوذ الجنسي...الخ. فإن ذلك لا يمنحه المشروعية لأنه مخالف لما شرعه الله تعالى.

ولكن في الديمقراطية فإن رأي الأكثرية يعطيه المشروعية، ووجوب الطاعة، وأما الذين يرفضون ذلك فلهم أن يتحفظوا على الموافقة ولكن لا يمنع ذلك من صدور الحكم وتطبيقه.

2 – الحاكم في الدولة الإسلاميَّة وممثلوا الأمَّة هم وكلاء عن الأمَّة في تطبيق شرع الله في الواجبات والمحرمات، وليس لهم خيار في تقرير الأحكام والقوانين المخالفة للشريعة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36].

3 – في النظام الديمقراطي ليس للحاكم أن يتدخل في حريات الناس الشخصية طالما أنها لا تضر بالآخرين، وهذا يعني: أن الديمقراطية والليبرالية تصدر من مشكاة واحدة.

4 – إن مبدأ الاختيار أو الانتخاب مبدأ إسلامي أصيل وله شواهد كثيرة من سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكلام الأصوليين وكذلك الترجيح بالأكثرية له شواهد أيضاً من شرعنا.

5 – إن الديمقراطية مصطلح سياسي فكري ليس كتلة جوفاء بل وعاء لغوي بمضمون فيه الفكر وفيه السلوك، نشأ في الغرب وهو ابن بيئته الفكرية والقيمية و المكانية والزمانية.

6 – إن مسألة الشورى هل هي ملزمة أم معلمة؟ وفي ذلك دراسات وأبحاث وللفقهاء فيها رأيان:

الأول: يرى أصحابه أن لا يلتفت إلى قول أكثرية أو أقلية، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأخذ بمبدأ الأقلية أو الأكثرية في اتخاذ القرارات، ولو كان لذلك نظام معين لوضع له مبدأ يوضح فيه إلزام الشورى للحاكم، والأمر بالأكثرية.

الثاني: إن مبدأ الأكثرية معروف في الإسلام وأن الصحابة كانوا يرجِّحون بكثرة العدد (روضة الناظر لابن قدامة 3/1013) ولا شك أن هذا مما اعتاده الناس في حراثتهم وتجارتهم، وسلوك الطريق، فإنهم عند ت عارض الأسباب يميلون إلى الأقوى.

يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن أبا بكر رضي الله عنه صار إماماً بمبايعة جمهور الصحابة (منهاج السنة 1/430) ويقول الشيخ العلامة محمد أمين الشنقيطي: ويقدم من زكاه جماعة كثيرون على من زكاه واحد مثلاً (مذكرة في أصول الفقه ص 378).

وعلى كل حال فإن إلزام الشورى للحاكم أو إعلامها فإن ذلك من المصالح التي يقررها العلماء والمفكرون والخبراء في الأمَّة وفيما تتطلبه مصلحتها.

والحاصل:

أن الديمقراطية نظام يعطي السيادة للشعب في أن يختار ما يراه مناسباً مع مصلحته ورغبته.

أما الشورى في الإسلام: فالسيادة فيه لشرع الله تعالى، والحرية والاختيار في دائرة المباح فحسب، وليس فيما هو معلوم وجوبه أو تحريمه من شريعة الله والله أعلم.

مقال الدكتور كمال الشريف الديمقراطية الإسلاميَّة هـــنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين