أيها السادة لا تدنسوا الشهادة!!

هلك المجرم (قاسم سليماني) على يد القوات الأمريكية في العراق، وأقل ما يقال فيه أنه نفق، وقد كان في موته راحة لقلوب ملايين في مشارق الأرص ومغاربها، وبالأخص أهل سوريا والعراق ويأتي من بعدهم أهل اليمن وغيرهم... ولكم كانت الفرحة ناطقة على شفاه الثكالى ووجوه اليتامى، وكم كانت السعادة غامرة لقلوب النازحين والمهجرين واللاجئين..

لكن المؤلم ما كان من النعي السيء الذي تنادت به بعض الفصائل الفلسطينية، والحق أن هذا الاجتهاد لم يوفق أصحابه في اتخاذه، وكانت الطامة الكبرى نعي المجرم (سليماني) بالمناضل، والمقاوم، ثم كانت الفاجعة أن وصفه البعض بالمجاهد، وكانت قاصمة الظهر أن أسبغوا عليه وصف الشهيد؟!

وتكملة لفصول المسرحية أقاموا لشهيدهم عزاء، وأين؟ في غزة، وذهب بعضهم إلى سفارات الملالي مقدمين واجب العزاء، ولا أدري هل ذرفت عيونهم دما أم دمعا على شهيد المقاومة والممانعة؟!

ياالله! يا للفاجعة الكبرى!

كم هو مؤلم ومؤسف، أن يوصف المجرمون بالشهادة، وأن يسربل اللطخة أيديهم بدماء الأبرياء بالجهاد، وأن يوضع السفلة في مصاف المجاهدين، يا قوم: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [الصافات: 154]!!

وحتى لا يكون الكلام كلاما عاطفيا خاليا من الأدلة والبراهين، فأنا أفند العلل والحجج التي أتى بها المبررون، وهذا بيانه:

1. يقول البعض أن النبي استعان بالكافر، كما في استعانته بدروع صفوان؛ فما لا نستعين بــ (سليماني): هذا حق أريد به باطل، لقد جاء في الأثر: «إنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ بِقَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ»، فاستعن بمن شئت لكن ليس على من شئت، فاستعانتك بالكافر لا يصح أن تكون على مسلم. ولا يخفى على قارئ السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ذلك من صفوان عند قتاله لثقيف التي جمعت القبائل عليه، روى أبو داود عن صفوان بن يعلى عن أبيه، قال: قال لي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "إذا أتتك رُسُلي، فأعطِهِم ثلاثين درعاً، وثلاثين بعيراً" قال: قلت: يا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -، أعارِيَّةٌ مضمونةٌ أو عاريَّةُ مؤدَّاة؟ قال: "بل مُؤدَّاة". وتالله ما علمنا سليماني قاتل مع الفلسطينيين، لكن علمناه وقد سفك دماء الأبرياء في سوريا والعراق!!

2. يقول البعض: إن إيران أعطت المقاومة الفلسطينية ما لم يعطها العرب والمسلمون، وأرى أن هذا الكلام يحتاج إلى وقفة:

• على مستوى الشعوب أعطى المسلمون -وهذا واجب عليه- من قوت يومهم وعرق جبينهم وكد يمينهم ما لا يعلمه الله والملائكة الكاتبون، وهو بمجموعه وبركته يفوق مال ملالي إيران.

• ألا تقدرون الوقفات والمظاهرات التي خرجت بها الشعوب طيلة العقود الماضية -وهذا فرض عليهم- ، ومن الناس من سجن، ومنهم من سحل، ومنهم من مات من أجل القدس، أم أن هذا قليل؟!

• ألا تقدرون حتى أدعية القنوت، وابتهالات السحر، من شيوخ ركع وأطفال رضع؟ أم أن العطاء لا يكون إلا مالا، لكني أذكركم بأن حفظ الله لكم لا يعود لمال أتى لكم من ملالي فارس ولا أمراء الخليج، بل لعله أتاكم من عجوز في كوخ لا يعلم حالها إلا الله، وفي الصحيح عن سعد بن أبي وقاص قَالَ: قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ».

• وحتى مستوى الأنظمة لقد قدمت الحكومات العربية ثلاثة حروب، فلماذا لا تسبحون بحمد هؤلاء الحكام وليسوا في الجرم سواء.

3. يقول البعض: إن من الوفاء أن نشكر الرجل (سليماني) وقومه (الملالي) على وقوفهم معنا، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الطعم بن عدي. ونقول لهم: هذا أيضا حق أريد به باطل، أما الحق فهو وفاء النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ المُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ»، لكن الباطل هو القياس الفاسد الذي يجعل (سليماني) كالمطعم، شتان شتان، يا سادة إن المطعم لم تسجل له كتب السيرة موقفا إجراميا كما فعل (سليماني) إن المطعن وقف موقفا رائعا حين أحل النبي صلى الله عليه وسلم في جواره يوم الطائف، أما ليمان فأدخل ألوفا مؤلفة القبور، وهجر ألوفا مؤلفة في داخل سوريا وخارجها.

4. . سيقول البعض: هذا ربما من فقه الموازنات! ونقول لهم إن فقه الموازنات إذا لم يراعي الكليات والمقاصد، وإذا يصن حقو الأخوة، وحرمة الدم؛ فلا هو بفقه ولا هو بموازنات! 

5. ثم أجيبوا علي: 

• أليس من فقه الموازنات أن يكون للملايين المملينة من ضعفاء وفقراء ومشردي وأرامل وشهداء سوريا والعراق واليمن حق على إخوانهم؟

• أليس من فقه الموازنات أن يكون لمن دفعوا حريتهم وحياتهم من أجل نصرة القضية الفلسطينية (خاطر) عند إخوانهم.

• أليس من فقه الموازنات أن نراعي أنين المستضعفين، وآهات الثكالى، ودموع اليتامى، وغربة اللاجئين.

6. هل الشهادة أصبحت صكا يعطيه من شاء لمن شاء، والله إن من يعطي (سليماني) هذا الوصف يصدق فيه قول القائل: أعطى من لا يمك من لا يستحق..

وحتى ندرك جرم وصف (سليماني) بالشهيد ها أنا أسوق إليكم لماذا سمي الشهيد شهيد؛ لقد ذكر العلماء في ذلك أقوالا أسوقها باختصار:

1. لأن الله تعالى ورسوله وملائكته يشهدون له بالجنة.

2. لأنه يشهد بنفسه ما أعده الله في الجنة لخلقه، وتدخل قبل يوم القيامة بخلاف بقية الخلائق، روى مسلم عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: سَأَلْنَا عَبْدَ اللهِ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] قَالَ: أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلَاعَةً»، فَقَالَ: " هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا، قَالُوا: يَا رَبِّ، نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا "

3. لأنه يقدم شهادة صدق بدمه ورحه على حبه لدينه وعقيدته، وذلك بتقديم روحه رخيصة في سبيل الله. 

4. لأن دمه يشهد له عند خروجه من قبره، فاللون لون الدم والريح ريح المسك.

5. لأن الصالحين يشهدون له بالإيمان والقتال في سبيل الله. 

وأخيرا فإن وصف المجرم (قاسم سليماني) بأنه شهيد جرم لأسباب:

1. لأن فيه رضى بما صنع المجرم سليماني من قتل للأبرياء وتشريد للبرآء..

2. لأن فيه استخفاف بملايين من ضعفاء الأمة على حساب طغمة مجرمة كهما كان عطاؤها لفلسطين، فالمسلم أقدس عند الله من الكعبة والمدينة والأقصى.

3. لأن فيه استرخاص لمعنى الشهادة، فإذا كان سليماني شهيدا فمن بقي ليوصف بالإجرام.

فيا أيها السادة لا تدنسوا الشهادة، 

ويا أيها المرابطون لا تفجعوا إخوانكم بوصف تحسبونه هينا، وهو في قلوب الناس كبير....

رحم الله شهداءنا ولعنة الله على كل ظالم ومجرم وقاتل...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين