المنطقة الآمنة

أمر المسلم يختلف عن غيره من الناس في حساسية موقفه من دينه وحياته ومماته وما بعد مماته؛

فليس من السهولة أن يُمَرَّر شيء على عقله وقلبه، ولا قابلية لديه أن يخوض تجربة ما بغير رويِّة أو عرضها على تعاليم دينه للاطمئنان إلى مدى صحتها وعدم تعارضها مع دينه!

صحيح أن هناك الكثير من خير الدنيا قد يفوت هذا المسلمَ بسبب تحفظه هذا،

وصحيح أن بعض المسائل قد يُسبَق إلى كشفها وتمحيصها هذا المسلم بسبب هذا التردد،

بل ليسمحْ لي القارئ أن أصرّح له بأن المسلم قد يُحرَمُ شيئا من المساحة التي سمح الله بها وأباحها في الاجتهاد والتجربة، وقد يتبين بعد فترة من الزمن أنه كان مشددا على نفسه رغم إباحة ما امتنع منه هو خوفًا من حُرمتِه!

لكن مع كل هذا

لنكن صادقين مع أنفسنا،

ما الذي يبتغيه هذا المسلم الصادق في دنياه غير رضى ربه وضمان سعادته في حياته السرمدية الحقيقية بعد موته؟

وسأسبقكَ يا من ستستدرك وتقول: متى يتناقض الدين مع سعادة الدنيا؟ ومن قال بأن ديننا يحارب راحة العبد والجمال والمتعة وووو؟

سأسبقك

لأقول لك: أبدا لا أحد يقول بذلك، غير أن المؤمن حساس لدرجة أنه غير مستعد أن يُقْدِم على خوض ما لم يتأكد أنه غير متصادم مع دينه بدليل كالشمس في رائعة النهار!؛

ثم إن أي شيء سوف يفوته إن هو بقي في مكانه خوفا على تدينه وعلاقته بربه، إن أي شيء يفوته لا يستحق الندم أو الحرص مقابل ما كان يمكن أن يناله من الحسرة والندامة إن تبين أن هذا الفعل أو الموقف يتصادم مع دينه وتعاليمه!

وهنا يحضرني ما قاله أحد الملحدين لأحد الدعاة العلماء: ماذا إذا اكتشفت بعد الموت أنه لا جنة ولا نار؟

فرد عليه: لن أكون مثلك حين تكتشف أن الجنة والنار حق!

والمعنى المراد من كل ما سبق

أن المؤمن - دون غيره- يحرص على البقاء في المنطقة الآمنة التي تضمن له السلامة وإن خسر أو اكتشف أنه شدد على نفسه فإن أجر النية الصادقة سوف يثبت، وإن مقدار المتعة والمساحة المتاحة لا تستحق أن يُِندَم عليها أصلا!

وأخيرا

أختم بحديث من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وآله وسلم حين اختصر الأمر كله فقال: (دم ما يريبك إلى ما لا يريبك).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين