الخسوف والكسوف وإنسانية الإنسان

إنّ الخوفَ من الظواهر الطبيعية كالرعد والبرق .. مطلبٌ ديني :

{ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } الإسراء / ٦٩

لإنّ الإنسانَ يتمايز عن الحيوان الذي لا يمتلك إلا الخوفَ البيولوجي الغريزي.

بل خليفة الله في أرضه يختلف جذرياً عن إنسان داروين, حيثُ تتملّكَه - نتيجةَ الوعي - الرهبةُ والحيرة والقلق والدهشة .. وكلُّ ما يؤكد تمايزَه واستقلاليته وفردانيته ..

نعم العلمُ الحديث فسّر هكذا ظواهر, طالباً من الإنسان ألا يشعرَ تجاهها بأيِّ شيء, إنما عليه أن يكملَ حياته العملية كمواطن رشيد في الدولة الحديثة, ويؤدّي عملَه بكفاءة ضمن مجتمع منظّم منضبط !

كمثل الرغبة من الحيوانات ألا تخافَ ولا تقلق وتستمرَّ في إنتاجها ..

لكن الدين حرصَ على خيال ومشاعر وتفكير الإنسان, باعتباره لن يكتفي بالعلم, إنما يحتاج أيضاً إلى الفنون والآداب ..

نجد مصداق ذلك حين خاطبه عن الشمس مثلاً :

١ . { تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } الكهف / ٨٦

٢ . " إنَّهَا تَذْهَبُ حتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ العَرْشِ .. " البخاري

. فالآيةُ تصفُ مشهدَ الغروب حسَب الناظر لها, محرّكةً خيالَه في تأمّل لوحة فنية ترتقي بوجدانه وتأمّلاته كـ إنسان..

. والحديثُ يريد ربطَ الفكرِ بالعبودية للخالق, كقوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ ۖ .. } الحج / ١٨

- والدين هنا لا يصادم العلمَ, فهو غير منشغلٍ بميدانه..

وما يثيره ويهتمُّ به مغايرٌ لما يشغل بالَ العلم.

لذا تختلف الرؤيةُ باختلاف الاهتمامات..

كـ مَن أُلقيَ من جبل شاهق ومات :

. فمن كان عقلُه فيزيائياً متقولباً بالمادة سيهتم بـ مدى زيادة وزن الجسم مع سرعة تساقطه شاقولياً, مما أدّى لتحطّم العظام والجمجمة ..

. ومن كان عقله مشغولاً بحقوق الإنسان.. سيهتم بـ وجود نزعة الشرّ في الرامي وكيفية معالجتها ..

وهكذا تتعدّدُ رؤية الأسباب وفق تعدّد زوايا النظر ..

- ثم إنّ القرآنَ ليس كتاب علم طبيعي

إنما تفكّر وتدبّر وتأمّل ونظر في إشارات علمية تفتح الآفاقَ أمام المخلوق المكرّم.

هذا ما بدا لي, واللهُ تعالى أعلى وأعلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين