كيف تكون محبوباً! (9)

حين تكون في ظرف صعب، حين يبدو لك المستقبل مظلمًا، حين تظنّ أن الأمور تجري نحو الأسوأ؛ في مثل هذه الحالات، إعلم أخي، واعلمي أختي أنّ لكم ربًّا قريبًا، مجيبًا، إذا توكلتم عليه ،وفوضتم أموركم إليه، سينجيكم، ويؤويكم، سيحبكم، ويكفيكم، ويحميكم.. 

سيحبكم من بيده ملكوتُ السموات والأرض..

سيحبكم مَنْ أمره وفرجه بين الكاف والنون.. 

سيحبكم جلّ وعلا فهو القائل في كتابه ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)﴾ [آل عمران]..

هل تحبُّه؟ إذًا توكّل عليه، ليحبّك.. فمتى رضيتَ بالله وكيلًا، وجدتَ إلى كل خيرٍ سبيلًا.. 

هل شعرتم يومًا أنّ الله تعالى كفاكم همًّا، أو فرّج عنكم ضيقًا، بحسن لجوئكم إليه، وتوكّلكم عليه؟ 

قل لي بربك:

لِمَ حزنُ قلبِكَ والصباحُ تنفّسا=إنّ الذي مسحَ الدُّجى يمحو الأسى

الشمسُ في قلبِ الصباح سعادة=فاجعل بحب الله قلبَك مشمسًا

إنّ الخالق لطيف، وهو آمرٌ ضامن: ضَمِنَ إيجادكم، وإمدادكم، وإسعادكم، فسلّموا له، وتوكّلوا عليه، وألجؤوا ظهوركم إليه..

ألستم بمؤمنين؟ إذن اسمعوا ماذا أمركم: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)﴾ [المائدة]. أتقنوا عبادة التوكل، لتكونوا من المحبوبين، وقولوا دوماً بمحبة ويقين:

توكلتُ في رزقي على الله خالقي=وأيقنتُ أنّ الله لا شكَّ رازقي

وما يكُ من رزقي فليس يفوتني=ولو كان في قاعِ البحارِ العوامقِ

سيأتي به اللهُ العظيم بفضله=ولو لم يكن مني اللسانُ بناطقٍ

ففي أي شيءٍ تذهبُ حسرةً=وقد قسَّم الرحمنُ رزقَ الخلائقِ

إن كُنْتَ في ضيقٍ وشدّة، إن كنتَ تعاني في بؤسك من طولِ المدّة، فاشدد يديك بالوكيل معتصماً، وأمدد كفّ الرّجا، وقل يا رب..

سأل عمر رضي الله عنه قومًا يتكففون الناس- يعني يسألونهم حاجاتهم-، قال لهم: "من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال كذبتم! المتوكل من ألقى حبهً في الأرضِ، ثم توكل على الله.

يقول أحد المفسرين: وهل الدينُ في مجمله إلا عبادة واستعانة في فاتحة الكتاب ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾ [الفاتحة]. فلا تعبد الله وتخاف غيره، لا تعبد الله وتعبد معه الأسباب، لا تعبد الله وتطلب المعونة من سواه..

توكّل قبل أن تعمل، توكل بعد أن عملت، توكّل من دون خوف، من دون تردد، من دون شك، من دون افتراضات، من دون عقبات، توكل وارفع سقف توقعاتك، واعزم على أرقى طموحاتك، فإن وكيلك من لا يعجزه شيئ في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم..

يا له من مقام موصوف صاحبه بمحبة الله!

فمن كان الله تعالى حسبُه وكافيه، ومحبّه ومراعيه، فقد فاز الفوز العظيم، لأن المحبوب لا يُعذَّب ولا يُبعد ولا يُحجَب..

التوكل هو "عِلْمُ القلبِ بكفايةِ الرّب" ﴿أليس الله بكافٍ عبده (36)﴾ [الزمر]، وقد جاء عن نبيّنا صلى الله عليه وسلم قوله: "من انقطع إلى الله عزّ وجل كفاه كلَّ مؤنة، ورزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا، وكلَّه الله إليها"، فقبل أن نقول: خطّطنا، وقررّنا، ودرسنا السوق والأسعار، وبحثنا عن الفرص، وبادرنا، فلتكن قلوبنا شريكة أفعالنا: الجوارح تعمل، والقلوب تتوكل..

محبوبون متوكّلون، ويعلمون بأن الله ما أمرهم أن يدعوه إلا ليُجيبهم، وما دعاهم ليستعينوا به إلا ليعينهم، وما حرّضهم حتى يفوّضوه إلا ليكفيهم..

قبل العمل وبعده، قبل الجهد وبعده، قبل الكسب وبعده، يأتي التفويض، ليزرع بذور الطمأنينة في القلب، والسكينة في الروح، ويسهّل عملية الاسترسال مع أقدار الله..

محبّون مؤمنون، بقلوبهم يرددون: ﴿ لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، هو مولانا، وعلى الله فليتوكل المؤمنون(51)﴾ [االتوبة].. 

#كيف_تكون_محبوباً

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين