فضل سورة الكهف

قالوا: ما مدى صحة الأحاديث الواردة في فضائل سور القرآن الكريم؟

قلت: الصحيح منها قليل جدا، ومن أشهر الصحيح الثابت ما رواه الثقات في فضائل سور الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والإخلاص، والمعوذتين. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في منهاج السنة (4/434): وكذلك أيضا في كتب التفسير أشياء منقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أهل العلم بالحديث أنها كذب، مثل حديث فضائل سور القرآن الذي يذكره الثعلبي والواحدي في أول كل سورة، ويذكره الزمخشري في آخر كل سورة. وقال العجلوني في كشف الخفاء: ومن الأحاديث الموضوعة أحاديث وضعها بعض الزنادقة أو جهلة المتصوفة في فضائل السور إلا ما استثني، ولا يغتر بذكر الواحدي والثعلبي والزمخشري والبيضاوي لها في تفاسيرهم، كما نبه على ذلك الحفاظ. وقال السيوطي في تدريب الراوي: ومن الموضوع الحديث المروي عن أُبي بن كعب مرفوعاً في القرآن سورة سورة من أوله إلى آخره. وقال العجلوني أيضاً: وباب فضائل القرآن من قرأ سورة كذا فله كذا من أول القرآن إلى آخره سورة سورة، وفضلية قراءة كل سورة، رووا ذلك وأسندوه إلى أُبي بن كعب، ومجموع ذلك مفترى وموضوع بإجماع أهل الحديث.

قالوا: هل صحَّ في فضل سورة الكهف حديث؟

قلت: نعم، أخرج الشيخان البخاري ومسلم عن البراء رضي الله عنه قال: قرأ رجل سورة الكهف، وفي الدار دابة، فجعلت تنفر، فنظر فإذا ضبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر ذلك للنبي ﷺ‬، قال: اقرأ فلان، فإنها السكينة تنزلت للقرآن.

قالوا: وهل صح حديث في قراءة سورة الكهف عصمة من فتنة المسيح الدجال؟ 

قلت: صح حديث في حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبي ﷺ‬ قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال، وفي لفظ: من آخر الكهف، ولكن مسلمًا علَّله، ورجح لفظ "أول سورة الكهف"، وحديث آخر أخرجه مسلم أيضًا عن النواس بن سمعان الكلابي رضي الله عنه، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل فقال: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم، إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف ...الحديث بطوله.

قالوا: ما تقول في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟ 

قلت: لم يصح فيها شيء، بل ولم يُخرج خبر يتضمن ذلك المعنى في الأصول الستة.

قالوا: ما تقول فيما روي في غير الأصول الستة عن قيس بن عباد عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين الجمعتين؟

قلت: ضعيف، وقد اختلف – على ضعفه – في رفعه ووقفه، والراجح الوقف.

قالوا: هل صح شيء في قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عصمة من فتنة الدجال؟

قلت: لا، والأمر فيها أوهن مما سبقها.

قالوا: فما ترى في الحديث الذي أخرجه ابن مردويه من طريق إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي، ثنا سعيد بن محمد الجرمي، ثنا عبد الله بن مصعب بن منظور بن زيد بن خالد، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة فهو معصوم إلى ثمانية أيام من كل فتنة تكون، وإن خرج الدجال عصم منه.

قلت: هو ضعيف، بل هو منكر، عبد الله بن مصعب وأبوه مجهولان. قال عبد الحق الإشبيلي: سنده مجهول. (انظر: تخريج أحاديث الإحياء)، وقال الحافظ العراقي: قال ابن عساكر: وعبد الله بن مصعب وأبوه مجهولان. (ذيل الميزان). وقال بمثله أبو الحسن بن القطان الفاسي (بيان الوهم والإيهام)، والذهبي (ميزان الاعتدال)، وابن حجر(لسان الميزان). وقال الضياء المقدسي بعد تخريجه في المختارة: في إسناده من لم أقف له على ترجمة.

وفيه أحاديث أخرى أضعف مما سبق، وبعضها مناكير.

قالوا: فما توصينا؟

قلت: أوصيكم ونفسي أن نجعل كتاب الله ورْدَنا، وملجأنا في المشاكل كلها، ونتدبره تدبرا، ونتبعه، ونعتصم به اعتصاما، فهو شفاء لما في الصدور، وتطهير للعقول، وتزكية للنفوس، وتقريب للعباد إلى رب العالمين، وفضل كتاب الله ثابت من آياته البينات ومن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحات الواضحات، فلا تبغوا لها بدلا، ولا ترضوا عنها حولا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين