الخوف من الحرية

في بلادنا يخاف الليبراليون من الحرية لأنها قد تأتي بالإسلاميين، ويخاف الإسلاميون من الحرية لأنها قد تجلب الانحلال، ويخاف الحكام من الحرية هربا من تمرد الشعب، ويخاف الشعب من الحرية لأنه اعتاد عيش الرعية، ويخاف رب الأسرة من الحرية قلقا من انحراف أبنائه.

نعم؛ نرفع أصواتنا مطالبين بالحرية، ونخاف من تطبيقها.. ننادي بها فيما يخصنا وما نتصوره، ونرفضها فيما يخص الآخرين وما يتصورونه !

الحرية مسئولية كبيرة، والمجتمع والفرد الذي لا يقوى على تحمل المسئولية يخاف حتماً من الحرية.

أمامنا نموذج تطبيقي مثالي فيما يحدث الآن في إنجلترا التي تعيش مأزقاً كبيراً من جراء ممارسة الحرية الجماعية للاختيار، والتي أوقعتها في معضلة الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن أعظم ما في المشهد أن المجتمع متقبل لنتائج ممارسة حريته، ويقابل ذلك بقدر كبير من المسئولية.

الله خلق الإنسان حراً، وتلازمت حريته مع مسئوليته، والحرية تأتي قبل المسئولية، ولا معنى للسؤال قبل حرية الاختيار، "أعطني حريتي قبل أن تطالبني بمسئوليتي" .

ولذلك فمن الطبيعي أن تنتشر اللامبالاة وعدم الشعور بالمسئولية في المجتمعات المحكومة بديكتاتوريات تسلب الشعوب حريتها، ولذلك أيضاً مسألة 

الحرية أولاً، أم الشريعة أولاً؟!

مسألة عبثية تحمل جهلاً بالشريعة، وتضعها في موقف الضد من الحرية، رغم أن تطبيق مقاصدها في حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال لا يمكن تصوره في غياب الحرية .

أما هاجس باب الحرية الذي سيلج منه الشياطين الذين سَيُجِيزون زواج المثليين، ويفتحون أبواب الانحلال في المجتمع.. فالحرية التي أجازت في بعض الدول الغربية زواج المثليين، هي ذاتها التي منعته في دول أوروبية أخرى، فكل مجتمع له خصوصياته وتقاليده وأعرافه التي تضع حدوداً وضوابط مجتمعية للحرية، بل داخل البلد الواحد تختلف الضوابط المجتمعية من مدينة لمدينة ومن حضر لريف، وحتى الدول التي تسمح بشواطئ للعراة ولا تضع قيودا على لباس المرأة في الشارع، تضع أعرافها حدودا غير مكتوبة للباس المرأة في مقاعد الدراسة أو أماكن العمل .

الحرية والمسئولية متلازمان، ولا مكان ولا مستقبل لمجتمع مسلوب الحرية مسكون باللامبالاة، ولا سبيل أمامنا للعبور نحو المستقبل إلا بخوض غمار بحار الحرية، وتحمل المسئولية الجماعية لمواجهة الأمواج والأخطار، في عالم أبحرت فيه المجتمعات الحرة، وتركت الخائفين من الحرية يتعفنون في قاع المستنقعات.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين