آداب وسائل الاتصال الحديثة (5)

برنامج الوثاب "الوتساب"

انتشر هذا البرنامج انتشاراً واسعاً لا يكاد يخلو منه هاتف صغير أو كبير، وأصبح الوسيلة الأولى لتبادل الرسائل والصور والطُرف، وحمل انتشاره فوائد جمة في صلة الرحم بين ذوي القربي والأصدقاء ونقل أخبارهم الاجتماعية أو أرائهم فيما يتشاورون فيه من أمور أسرهم، وشكَّل بواسطته كثيرٌ من الأشخاص مجموعات أسرية أو مهنية أو علمية، يتبادل أفرادها المعلومات ويتداولون في الأمور والمستجدات التي تهمهم من أحوال معيشة وسياسة وعلم وغيرها.

تعريب اسم البرنامج

وأول ما ينبغي النظر فيه هو تغيير اسم هذا البرنامج إلى اسم عربي، فإن اسمه الأعجمي مما تنبو عنه اللغة العربية، وقد أحسن بعض الفضلاء حين اتبع نهج العرب في تعريب الأسماء الأعجمية على ما يقاربها من ألفاظ عربية، فسمى هذا البرنامج: الوثّاب. وهو قريب من الاسم الأجنبي في لفظه، وكان من حقه أن ينتشر ويثبت لولا لكن ضعف الاهتمام بالتعريب. 

عيوب الإكثار من الرسائل الفورية

لقد انكبَّ الناس على هذا البرنامج انكباباً عجيباً فصار ديدنهم ومحور حياتهم ومصدر معلوماتهم، ولكنه أضحى في الوقت ذاته مضيعة للوقت لا يقاربها مضيعة، وأكبر مصدر للتفاهات والترهات والأقاويل والغيبة والنميمة، إلى جانب تداول الأخبار الكاذبة المزيفة، والنصائح الطبية التي لا تقوم على أساس صحيح من العلم والتجربة، ومصدراً للفسوق والعصيان عند من لا خَلاق له من دين أو أخلاق، ولذا فعلينا أن نستعمله بوعي كامل وتحكم قوي في وقتنا وما نرسله وما نستقبله، فالمسلم العاقل يعلم أهمية الوقت وأنه محاسب على كل دقيقة يضعيها فيما لا يرضي الله ولا يسلك نهج رسوله.

ويتداول الخيِّرون في هذه الرسائل المواد الوعظية مثل آيات القرأن الكريم والأحاديث النبوية وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبار الصحابة والتابعين والصالحين وأقوالهم، وينبغي في هذه الانتباه الشديد لنقل آيات القرآن الكريم مشكولة مضبوطة ويستحسن ذكر السورة والآية، أما الحديث النبوي فينبغي نقله من الكتب والمصادر المعتمدة، وكذلك ، ينبغي أن تؤخذ أقوال الصحابة والتابعين والصالحين وأخبارهم من المصادر الموثوقة والمعروفة بخلوها من الموضوعات والإسرائيليات والخرافات، وبعض الناس يرسلها مع كلمة تحفظ كأن يقول: على ذمة الراوي أو: كما وصلتني. وهذا لا يكفي ولا ينبغي، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يُحدِّث بكل ما يسمع.

وكثير مما يتناقله الناس يتعارض مع ميزان الشرع وأحكام القرآن والسنة النبوية، رغم حسن نية الناقلين لها، وهي في كثير من الأحيان تنبعث من الرغبة في الأخبار الغريبة والمبالغات الشديدة، وأحياناً تتحدث عن اقتراب يوم القيامة وتبشر بظهور المهدي وتتحدث عن علامات الساعة فيما يقع من أحداث ويتخيل مرسلها من أوهام، وهذه آفة أخرى تثبط الهمم وتفتر العزائم إذ يتقاعس ضعاف النفوس والهمم عن العمل البناء لتغيير حال الإمة، ويتشبثون في هذا بما تتحدث به هذه الرسائل من اقتراب الساعة، وغفلوا عن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل.

النكات والسخرية

وتجنب إرسال الرسائل التي تحتوي نكات تسخر من أناس معينين كأهل بلد أو دولة أو مهنة، فقد قال الله تعالى في سورة الحجرات: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾، وتجنب النكات الباردة التي تصف النساء بالغفلة، أو تصِمُ الحموات بالشر والكيد، أو تلك التي تشجع على تعدد الزوجات، فكل هذا من اللغو الذي لا خير فيه، ومما يهبط بالأمة إلى مستوى سوقي متدن، وأنت إن فعلت فإنما تسيء إلى جمهور النساء وفيهن زوجتك وابنتك وأختك وقريباتك.

الوثائق السياسية المزعومة

وإلى جانب ذلك فإن كثيراً من الأخبار والوثائق السياسية التي توصف بالسرية التي يتم تداولها ليس لها أصل في الحقيقة أو هي محرفة تحريفاً شديداً عن ما حدث في الواقع، وتكون في كثير من الأحيان صادرة عن أشخاص نكرات أو منظمات صغيرة لا أهمية ولا وزن لها، ولكن يتم إيرادها وتداولها على أنها تمثل موقفاً سلبياً أو إيجابياً لدولة أو شعب من الإسلام والمسلمين وقضاياهم، ومثال ذلك ما تداولته هذه الوسائل حول معاهدة لوزان التي وقعتها تركيا بعد حرب الاستقلال، والتي ذكرت هذه الوسائل أنها منعت تركيا من التنقيب عن النفط مدة 99 سنة، وهو أمر لا أساس له من الصحة، وقد جرى التنقيب عن النفط في تركيا بعد المعاهدة مرات عديدة ولكن لم يتم من خلالها أي كشف نفطي تجاري.

استعمال اللغة العربية

وقد كشفت هذه الرسائل لمن تأملها عن بلاء عمَّ جمهور هذه الأمة في الابتعاد عن اللغة العربية في قواعد الإملاء والكتابة وغلبة العامية الركيكة عليها، فعلى المسلم أن يحرص على استعمال لغة القرآن والسنة وأن يبذل جهده لإحياء اللغة العربية الفصحى المبسطة في هذه المراسلات لتعود للأمة روحها العربية وثقافتها الإسلامية، وذلك أمر ليس بالعسير على من قصده وأراده بعون الله عزوجل، وأنت إذا فعلته احتساباً وتقرباً إلى الله عزوجل كان لك فيه الأجر والثواب، فمن سنَّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.

مراجعة الرسالة قبل إرسالها

وإذا كتبت رسالة فراجعها قبل إرسالها لتتأكد من خلوها من الأخطاء الإملائية والتصحيحات الآلية التي يقوم بها الهاتف فيضع كلمة مكان أخرى، وكذلك لتتأكد من أنها ستكون واضحة مفهومة للمتلقي، وإذا أردت تصدير رسالة قد وصلتك فتأمل محتوياتها وصدقها وأهميتها ووقعها عند من ترسلها إليه، ثم قرر إرسالها إن وجدت في ذلك خيراً ومنفعة.

المجموعات

وكثيراً ما يقوم بعض الأشخاص بتكوين مجموعات يشترك عدد من معارفهم وأصدقائهم، يتبادلون فيها ما يهمهم من مواضيع وقضايا وأخبار، وقد يدرجون فيها من أحبوا دون استئذان أو سؤال، ويستحسن لمن أراد إنشاء مجموعة أن يسأل نفسه عن الفائدة المتحققة من ورائها، وكيفية التحكم فيما ينشر فيها، وتوفر الوقت اللازم لمتابعتها وضبطها، وعلى من أُدخِلوا فيها أن يخرجوا منها إن لم يجدوا من ورائها فائدة ملموسة تزيد على ما سيضيع من وقتهم في متابعتها والمشاركة فيها، وقد لاحظت أن كثيراً من هذه المجموعات إنما هي منبر لبضعة أشخاص في حين أن باقي أفراد المجموعة هم في موقع المتلقي لا يشاركون ولا يتفاعلون إلا في النادر، فهي قليلة الفائدة ضعيفة المحتوى، يحقق من خلالها هؤلاء النشطين ذاتهم وتطلعاتهم الشخصية.

برنامج الفايسبوك وإنستاجرام وسناب تشات وغيرها

وينطبق على هذا البرنامج من فوائد ومحاذير ما ذكرناه عن الوتساب إلى جانب أنه في هذه الحالة منشور علني للملأ من قريب وبعيد ومعروف ومجهول، وأن ما ينشر لا يمحى بل يبقى محفوظاً متداولاً لمن أراد الوصول إليه، فكل هذا يجعل العاقل على حذر مما ينشره على صفحاته لأنه سيبقى لصيقاً به طيلة حياته، وبالطبع فسيلقاه في الآخرة في حسابه عند الله عزوجل، قال الله تعالى في سورة الإسراء:﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾

ولا بد من كلمة تتناول الجانب الاجتماعي في هذه البرامج، وهو أن ما نراه اليوم من صور على صفحات هذا البرنامج يظهر أننا غفلنا عن معاني الإسلام الحقيقة ومبادئه الأساسية، وأننا نكاد أن يغمرنا داء النفاق لأننا نفعل ما يناقض أقوالنا ومعتقداتنا، فما عاد كثيرٌ من الأسرار رهين البيوت، وغفلت كثيرات من المسلمات عن شيمة العفاف وحلية الصون، وتباهى كثير من الناس بطعامهم وشرابهم وأسفارهم، بل سيئاتهم، مما يقهر الفقير والمحتاج، ويحرج ويجرح المستور، فلنتق الله في أنفسنا وأهلينا وإخواننا ومجتمعاتنا، ولنعد إلى صفاء الإسلام وراحة الإيمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الحلقة الرابعة هنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين