كيف تكون محبوباً! (8)

ملاحظة مهمة: إذا طبّقنا معاييرجودة هذا المحبوب، سنستنتج بأن حكامنا كلهم مبغوضون، وقد ساءت عيشتنا بوجودهم، ولذلك انتفضنا عليهم، #كلن_يعني_كلن، بغض النظر عن أحزابهم وانتماءاتهم الطائفية)

محبوبنا اليوم معايير تصنيفه مختلفة، ودلائل محبوبيته مرتبطة بطبيعة علاقته بالناس..

كلمة (لا) عنده صعبة جداً، متأسيًا بالحبيب صلى الله عليه وسلم الذي ما سُئِل شيئًا قط فقال: لا..

وقناعة هذا المحبوب في الفرح والسعادة والراحة، عكس قناعة كثير ممن حوله فيما يتعلق بهذه المعاني:

فإذا كان أهلُ الدنيا كلّما أخذوا فرِحوا، فَرِح هو كلّما أعطى وبذل وشفع..

وإذا كان أهل الدنيا كلما حققوا مصالحهم سعِدوا، سَعِد هو كلما قضى حوائج الناس ونفع..

وإذا كان أهل الدنيا كلما نأوا بأنفسهم، وأغلقوا أبوابهم دون أسئلة الناس ارتاحوا، ارتاح هو كلما قصده المحتاجون، ولجأ إليه السائلون، فأعان ودفع..

إنّه المحبوب المقصود في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم سئل عن أحبّ الناس إلى الله فأجاب: "أحبُّ الناس إلى الله أنفعهم للناس".

فهل تريد أن تعرف إذا كنت من هذه الزمرة المحبوبة؟

إليك بعض العلامات:

إذا أقبل الناس عليك، إذا توسّموا الخير منك، إذا عقدوا الآمال عليك، إذا رجوا النوال منك ، إذا توقعوا الإحسان منك ، إذا أنزلوا حوائجهم بك ، إذا أمنوا أن يُسْمِعُوك مواجعَهم، إذا ظنوا بك تحقُّق منافعهم، فأبشر، أنت ممن يحبّهم الله..

وقد ورد في الأثر في تعريف المحبوب: إذا أحبّ الله عبدًا جعل حوائج الناس إليه. هو اختصاص لا تعلّمه المدارس ولا الجامعات، وتخصيص يميّز الله به المتفوّقين من عباده في فن التواصل والخدمة، وقد جاء في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن لله تعالى عبادًا اختصَّهم بحوائج الناس، يفزع الناسُ إليهم في حوائجهم، أولئك هم الآمنون من عذاب الله".

وورد أيضًا من حديث نبيّنا صلى الله عليه وسلم قوله: "إن لله عبادًا اختصّهم بالنعم لمنافع العباد، ويُقرّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها، نزعها عنهم، وحوّلها إلى غيرهم".

فإذا كنتَ صاحب نعمة ،وبابُك لا يُدق، وهاتفُك لا يرن، وبيتُك لا يُقصد، فراجع محبوبيتك، وانهض كي تحفظ نعمتك، قبل أن تُنزع منك، وتُحوّل إلى غيرك، واحذر إذا رأيت الناس ينصرفون عنك، وينفضون من حولك، ويُظهرون يأسهم منك، ويسقطونك من حساباتهم، فتلك مؤشرات خطيرة، بالنظر والتدقيق جديرة، لما قد يفوتك من الحب، فعلى قدر تقصيرك في نفع العباد، يُنْقصك ذلك من حبّ رب العباد، فانظر أين أنت في سُلّم المحبوبين، وما هي درجتُك في ترتيب النافعين المحسنين؟

يقول أحد الصالحين: إن أحسن الناس عيشًا من حَسُنَ عيشُ الناس بوجوده، فهل أنت منهم؟ هل أنتِ منهم؟ ولا تظنوا أن الأمر مقتصر على تحسين عيش الناس، ونفعهم بالمال فقط، فبإمكانك أن تنفع الناس بعلمك، برأيك، بنصيحتك، بمشورتك، بخبرتك، بمنصبك، بنفوذك، بتأثيرك.. وليكن دورك أن تُطَمْئِن، أن تريح، أن تساعد، أن تواسي، أن تربّت على كتف، أن تُعيد حقّاً، أن تزيل همّاً، أن تُيسّر أمراً، أن تجير قلبًا، أن تفرّج كربًا، كي يزيدك الله قربًا وحبًّا..

إذا أعطاكم الله عِلْمًا فعلّموا، وإذا أعطاكم مالًا فأنفقوا، وإذا أعطاكم حكمة فاشفعوا وأصلحوا، وإذا أعطاكم قوة فأعينوا وساعدوا، وإذا أعطاكم سلطة فاحكموا بالعدل وأنصِفوا..

إليكم باختصار معادلة محبوب اليوم:

كلما زاد النفع زاد الحب، وكلما زاد الطلب منه، رضي الرب عنه، وكلما قضى للناس حاجة، قضى الله له حاجات، وكلما مشى في خدمتهم خطوة، ارتقى عند الله درجات.

فإذا أردتم أن تكونوا من المحبوبين، فعليكم بأمرين: مُنطلق مُحكم، ومنطق حكيم، فأما المنطلق المُحكَم فسؤالكم أنفسكم: أيهما خير لكم؟ أن تسعوا أنتم في حاجتكم، أم يسعى الله العليم القدير، الذي عنده خزائن كل شيء، في قضاء حاجتكم، ويكون الله في عونكم، ما دمتم في عون إخوانكم؟. وأما المنطق الحكيم وظنّكم القويم، فإنكم إذا أعطيتم أعطاكم الله، وإذا أعنتم وفقكم الله، وإذا أسعدتم أسعدكم الله، وإذا نفعتم أحبكم الله.

وفي كل مرة يدق بابكم محتاجٌ أو مهموم أو محروم أو مسكين أو حزين، فاشكروا الله أن جعل حوائج الناس إليكم، ولم يجعل حوائجكم إلى الناس..

الحلقة السابقة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين