المشروع الإيراني الصفوي في المنطقة العربية (5)

المبحث الثاني: استراتيجية مواجهة المشروع الإيراني

يجب التأكيد على عدد من المبادئ الأساسية التي يجب أن تكوِّن محورًا ثابتًا راسخًا في أذهاننا خلال تتبع الخطوط العامة للسياسة التي نقترحها في مواجهة المشروع الإيراني في الوطن العربي، الذي يطال الشعوب بالدرجة الأولى، من هذه المبادئ:

أ‌- الحفاظ على وحدة وتماسك النسيج الداخلي للدولة والشعب في الوطن العربي، فالاستقرار الداخلي والاجتماعي ضمن الإطار الأعمِّ لهوية المنطقة العربية الإسلامية شرط أساسي في نجاح تطبيق سياسة مواجهة المشروع الإيراني التفتيتي.

ب‌- ضرورة مواجهة الدعاية التي تقوم إيران بترويجها الآن وهي اتهامها كل من يعارض مشاريعها التدميرية بالعمالة للمشروع الأمريكي الصهيوني، بينما يؤكد الواقع على حقيقةِ تكامل المشروع الإيراني مع المشروعين الأمريكي والإسرائيلي، واتفاقهما في الوسائل والأهداف.

ت‌- يجب أن نعلم أنّ إيران ستعمد إلى التظاهر بالتراجع بغية تنفيس الاحتقان ضدّها كلما اضطرت إلى ذلك, لكن هذا لا يعني أنّها تراجعت عن مشروعها، فهناك فرق كبير جدًّا بين تغيير الهدف وتغيير الأسلوب.

ث‌- سنجد إيران وأجراءها يتهمون كل من يعارض مشروعهم بإثارة الفتنة الطائفية، وسنسمع من وقت إلى آخر دندنة حول الوحدة الإسلامية والحوار والتعايش والتسامح ومصطلحات أخرى من هذا القبيل؛ فلنوقنْ أنها مناورة إيرانية أثبتت الوقائع أنها محاولة منها لرمي غيرها بدائها.

خطوات عملية في مواجهة المشروع الإيراني(1)

إن مواجهة المشروع الإيراني لا يعني بالضرورة الانزلاق إلى المشروع الصهيوني أو مشروع الثورة المضادة، فيجب التركيز على أنَّ مواجهة المشروع الإيراني لا تعني تناسي أو تجاهل مواجهة المشاريع الأخرى الموازية أو المكمِّلة للمشروع الإيراني الصفوي، وأهمها المشروع الصهيوني ومشروع الثورة المضادة. ولمواجهة المشروع الإيراني خطوات عملية أبرزها:

1- دعم الثورة السورية:

استطاعت الثورة السورية وبإمكانيات بسيطة إلحاق الهزيمة بالمليشيات الإيرانية الطائفية في سورية، ولولا تخاذل العالم والتدخل الروسي في سورية لكانت إيران اليوم ترفع الراية البيضاء وتجر أذيال الهزيمة منكفئة على نفسها؛ فعلى الدول العربية والإسلامية التي تعاني من التدخل الإيراني في دول المنطقة أن تدعم الشعوب التي تواجه المشروع الإيراني في بلداننا، فلها دور مهم في مواجهة الغدر الإيراني لا يقل عن أهمية التنسيق السياسي والعسكري بين دول المنطقة.

2- عدم تعميم الأحكام على الشيعة:

الحرص على عدم جمع الشيعة في سلة واحدة يزيد من النِّديَّة للمشروع الإيراني، ففي الآونة الأخيرة ظهرت حالة تململ من المشروع الإيراني في بعض أوساط الشيعة العرب غير المواليين "للولي الفقيه"؛ وذلك لأسباب مختلفة منها الاستعلاء القومي(2) عبر اختراق المرجعية العربية وتنصيب إيرانيين عليها يدَّعون عدم موافقتهم على مبدأ الولي الفقيه لكنهم ينفذون أجندة إيران السياسية والطائفية والمصلحية بامتياز, وآية الله الإيراني السيستاني مثال صريح على ذلك؛ ومنها تضارب المصالح، فلا بدَّ أن نأخذ بعين الاعتبار وجود حد معين من تضارب المصالح فيما يتعلَّق بالمرجعيّة, فإيران تسعى إلى نقل الثقل الأساسي للمرجعية الشيعية من مدرسة "النجف" التاريخية إلى مدرسة "قم"، لتكرِّس إيران نفسها مرجعًا أساسيًّا لشيعة العالم.

ومن الأسماء التي بدأت تُظهر تململها من الاستحكام الإيراني الشيخ محمد الحاج حسن منسقُ التيار الشيعي الحر الذي سرَّب حزب الله فتاوى إهدار دمه مؤخرًا، والشيخ صبحي الطفيلي, ورغم أنَّه لم ينضم بعد إلى التيار إلا أنه يبقى الأمين العام الأول لحزب الله وله مكانة خاصة في صفوف الشيعة، وهو يؤكد أنّ إيران عميلة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي ومشاركة معه في العراق وأفغانستان وسورية، ومثلهما الشيخ حسين المؤيد, فمن أجرأ ما أدلى به تصريحه بأنَّ إيران أخطر على العرب من إسرائيل.

3- التركيز على العلاقة الإيرانية الإسرائيلية:

يجب عرض الأهداف الإيرانية التي تريد تحقيقها في المنطقة ومقارنتها بشكل دائم بأهداف المشروع الصهيوني؛ كي يستطيع القارئ الربط بشكل آلي فوري, وسيكون هذا سهلًا جدًّا خاصَّة أنّ أهداف المشروعين واحدة تقريبًا, وبما أنّ الأحداث تتمحور حاليًا حول العراق فلا بد من التركيز على تلاقي دور الصهاينة والصفويين في تدمير العراق وتدمير سورية، وقد رحبت إسرائيل بالتدخل الإيراني لمساعدة النظام بداية الثورة السورية.

4- فضح التلاعب الإيراني:

إن التركيز على التناقضات الإيرانية في المواقف ونفاقها في مختلف الملفات الإقليمية وعرضها في إطار مشروعها له أهمية كبيرة في مواجهة الخداع الإيراني لشعوب المنطقة، فإيران ذات وجهين, ولا يقتصر تناقضها على توزُّعِهِ بشكل متعمد وماكر بين ما يسمى إصلاحيين ومحافظين بل تعداه ليصبح تناقضًا داخل كل واحد منهما، وإليك هذين المثالين:

اشتهر أحمدي نجاد بتصريحاته الشهيرة عن ضرورة إزالة إسرائيل عن الخريطة و تدميرها, ثمَّ أطلق تصريحه الشهير الآخر في 26 -آب - 2006 بمناسبة افتتاح مصنع إنتاج الماء الثقيل في "آراك" قائلًا: "إيران لا تشكّل خطرًا على الغرب ولا حتى على إسرائيل"، فهذه التصريحات توضح السياق الإعلامي الذي تندرج تحته تصريحات إيران ضد الغرب وإسرائيل.

وأعاد الإيرانيون تطمين الغرب في 11 - شباط - 2007, فقال لاريجاني: (برنامج إيران النووي لا يمثل تهديدًا لإسرائيل, وبلاده مستعدة لتسوية جميع الأمور العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال ثلاثة أسابيع...، وكل ما يرد بشأن رغبة إيران في تهديد إسرائيل هو كلام خاطئ).

5- كشف أدوات إيران ووسائل اختراقها للمنطقة:

ينبغي العمل على ذلك من الناحية البشرية والمادية والمذهبية والاجتماعية, وتحديد حلفاء إيران في البلدان العربية، وتحديد طرق وأساليب التعامل معهم من خلال إثارة نقاشات فكرية علمية لنقل الصورة الحقيقية عن إيران وعن سلبية التبعية لها، واستخدام الوسائل والأساليب والأدوات المناسبة في مخاطبة الجمهور من العامة والخاصة فيما يتعلق بالخطر الإيراني، فلكل فئة مستهدفة طريقة خاصة بالتفكير أو الاستجابة للخطاب الموجَّه إليهم؛ فمنهم من يستجيب للمحاجَّات العقلية والمنطقية، ومنهم من يتأثر بالمحاجَّات الشرعية الدينية، ومنهم يصغي للمحاجَّات التاريخية، ومنهم تقنعه الوقائع والأحداث والصور البصرية؛ وعليه فلا يجوز استخدام أسلوب واحد جامد خشبي في مخاطبة كل هذه الفئات وكأنَّها عقل واحد.

6- توظيف الأوضاع الراهنة:

توظيف الأوضاع والتطورات الراهنة والتعامل معها بشكل ذكي لكشف المشروع الإيراني ومحاصرته والضغط عليه، ومن ذلك تسليط الضوء على تلقي إيران لضربات إسرائيلية متكررة في سورية واكتفائها بالصمت المطبق، وهي التي لطالما تبجحت برفع شعار المقاومة والممانعة.

7- إنشاء مراكز مراقبة وأبحاث:

إنشاء مركز أبحاث جامع هدفه دراسة ورصد السياسات التوسعية الإيرانية تجاه المنطقة، وتقديم الاقتراحات بشأن سبل معالجتها أو مواجهتها, والاهتمام برعاية باحثين وإعلاميين عرب، ودفعهم إلى إتقان اللغة الفارسية لما لها من أهمية في تناول ونقل وتحليل ونقد وكشف الأخبار والوثائق الإيرانية المكتوبة بالفارسية التي يستعصي على كثيرين منَّا فهمها أو ترجمتها.

8- فضح العلاقة بين التنظيمات الإرهابية وإيران:

كثيرًا ما تستتر إيران وهي تنجز مشروعها الطائفي وتمارس الإرهاب بشعار محاربة الإرهاب، ولا بد هنا من الإشارة إلى العلاقة الوثيقة التي تجمع بين إيران وتنظيم القاعدة الذي يقطن عدد من قياداته في إيران؛ ففي خطاب عام 2007 بعنوان "خطاب إلى كارم" يقدم ابن لادن المسوِّغاتِ التي تستوجب عدم الهجوم على إيران قائلًا: (إيران هي شرياننا الرئيس الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، ولا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران إلا إذا اضطررت إلى ذلك). وينهَى بن لادن بقوة عن أي هجوم ضد إيران، بل يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، فيحض عناصر التنظيم على طلب المشورة أو الإذن في أي مواجهة مع إيران.

والخطاب الذي أرسله الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي -الذي كان يومئذٍ قائدًا للقاعدة في العراق- يطلب منه عدم التعرض للشيعة والإيرانيين، نظرًا لوجود أكثر من 100 من أعضاء القاعدة تحت قبضة النظام الإيراني، وفي خطاب لأبي محمد العدناني الناطق باسم تنظيم الدولة أكد أن عدم تعرضهم لإيران كان بتوجيه من الشيخ الظواهري؛ ولا تخفى الخيرات التي جنتها إيران من تنظيم القاعدة وفروعه في العراق وسورية خصوصًا وفي مجمل المنطقة العربية والإسلامية عمومًا.

خاتمة

إن المشروع الإيراني مشروع منظم طويل الأمد، يقوم على الإرهاب والدم فضلًا عن الوسائل الناعمة الدينية والثقافية، وإن مواجهته تقتضي إدراكًا حقيقيًّا لامتداداته وتوقعًا حصيفًا لخطواته المستقبلية، فالمواجهة الفوضوية له لا تفضي إلا إلى تمدده وتوسعه، وهذا يستدعي منَّا دراساتٍ منهجيةً حقيقية توصِّفُ أصول المشروع الإيراني وفروعَه للعمل على مواجهتها بأناةٍ وصبر وحكمة.

العدد السادس من مجلة ( مقاربات) التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

الحلقة الرابعة هنا

1 انظر في ذلك (كيف نواجه المشروع الإيراني بــ 13 خطوة)، علي حسين باكير، مجلة الراصد 2007م.

2 راجع في هذا كتاب علي شريعتي: التشيع العلوي والتشيع الصفوي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين