الاستدراج فنّ قديم متجدّد!

لابأس بالحديث ، عن استدراج الشياطين ، للمغفّلين ، فهل من بأس ، في الحديث ، عن مصائر المغفّلين ، الواقعين ، في فخاخ الشياطين؟

في الحرب الشرسة ، التي خاضتها أمريكا ، ضدّ شعب فيتنام ، اخترع الفيتناميون المحاربون، نوعاً من التكتيك ، سمّوه : مصائد المغفلين ! وذلك ؛ لأن حربهم ، ضدّ الجيش الامريكي الضخم ، المسلّح باحدث الأسلحة .. كانت ، من طرفهم ، حرب عصابات ، وكانوا يتفنّنون ، في ابتكار الأساليب، التي توقع أكبر الخسائر، في جيش عدوّهم! ومصائد المغفّلين ، في حرب العصابات، كثيرة ومتنوّعة !

أمّا مصائد المغفلين، في السياسة ، فتختلف ، من حيث النوع ، ومن حيث طبيعة الصراع !

ولا يعني ذلك ، بالطبع ، أن كلّ مَن يقع ، في مصائد الأعداء ، السياسية أو العسكرية ، هو مغفّل ، بالضرورة ؛ فقد يقع ، في هذه المصائد ، أشخاص يمتلكون النباهة والذكاء ، إلاّ أن ظروفاً معيّنة ، قد تجعلهم فرائس لأعدائهم ، الذين يصطادونهم ، ويوظفونهم توظيفات متنوّعة!

والحديث عن الاستدراج ، السياسي والعسكري ، عبر الفخاخ المادّية والمعنوية ، قديم قِدم الصراعات بين الناس ! وما يهمّنا منه ، هنا ، هو الاستدراج السياسي ، الذي يمارَس بأساليب شتّى ، ويتّخذ صوراً شتّى ، تختلف ، باختلاف نوع الصراع ، وخبرات المتصارعين ، وغير ذلك !

نماذج :

ملك غسّان ، يحاول استدراج كعب بن مالك :

يقول كعب ، عن رسول جاءه ، من ملك غسّان : فَدَفَعَ إِليّ كتَاباً ، منْ مَلِكِ غَسَّانَ، وكُنْتُ كَاتِباً. فَقَرَأْتُهُ ، فَإِذَا فيهِ: أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّهُ قَدْ بلَغَنَا ، أَن صاحِبَكَ قدْ جَفاكَ، ولمْ يجْعلْك اللَّهُ ، بدَارِ هَوَانٍ وَلا مَضْيعَةٍ، فَالْحقْ بِنا نُوَاسِك! فَقلْت ، حِين قرأْتُهَا: وَهَذِهِ ، أَيْضاً ، مِنَ الْبَلاءِ ! فَتَيمَّمْتُ بِهَا التَّنُّور، فَسَجرْتُهَا !

ملك الروم ، يحاول استدراج معاوية بن أبي سفيان :

أرسل ملك الروم ، إلى معاوية ، كتاباً ، يعلن فيه استعداده ، لمؤازرته ضدّعليّ ، في فترة الصراع بينهما ، فردّ عليه معاوية ، ردّاً حازماً يذكّره فيه ، أن الأمر هو خلاف ، بينه وبين ابن عمّه ، ويهدّده ، بأنه ، إذا لم يكفّ عن مكره ، فسيصالح علياً ، ثمّ يرسل إليه – أيْ ، إلى ملك الروم – جيشاً ، يأتي به ، ويضعه تحت تصرّف عليّ ، يفعل به مايشاء !

استدراج حديث ، في سورية :

استدرَج النظام السوري ، بعض المنشقّين عنه ، من رجال القبائل ، بالترغيب والترهيب ، فعاد بعضهم ، (إلى حضن الوطن) ، كما روّجت وسائل إعلام النظام ! وقد جمع العائدون ، احتقار الشعب لهم ، واستهانة النظام بهم ، وسوء التفكير والتدبير!

استدرج النظام ، بعض المقاتلين ، الذي سُمّوا : رجال المصالحات .. من بعض المحافظات السورية ، ليسلّموا أنفسهم وأسلحتهم ، لجيش النظام ، مع تعهّدات ، بألاّ يتعرّض أحدهم لأذى، وبضمانات روسية ! وحين تمكّن رجال النظام ، من رقاب هؤلاء المصالحين ، بدأ العبث بهم يتراوح ، بين ازدرئهم .. والحقد عليهم ، لوقوفهم ضدّ النظام ، في فترة ما .. وتوظيفهم ، في التجسّس ، على رفاقهم المقاتلين .. ودفعهم إلى الصفوف الأولى ، من جبهات القتال ، ليقاتلوا أبناء شعبهم، ورفاقهم في السلاح ! وقد أدرك بعض هؤلاء ، الورطة التي أوقعوا أنفسهم فيها ، فعاد بعضهم إلى حمل السلاح ، ضدّ النظام ، وظلّ بعضهم ، أدوات تافهة ، في أيدي رجال النظام ، شاعرين بالندم ، ولات ساعة مَندم !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين