المشروع الإيراني الصفوي في المنطقة العربية(2)

ثانيًا: الخطة الخمسينية

لإيران خطة عمل تسمى "الخطة الخمسينية"، تُنفَّذ خلال خمسين عامًا، وهي مقسمة على خمس مراحل:

الأولى: التأسيس ورعاية الجذور، وتعتمد على إيجاد تكتل صفوي في البلدان المستهدفة. الثانية: مرحلة البداية، وجوهر هذه المرحلة عنصران:

أولهما شرعنة الوجود الإيراني في تلك الدول، والثاني الوقيعة بين حكومات هذه الدول وأهل السنة. الثالثة: مرحلة الانطلاق، وفيها توطَّدُ علاقات العملاء الإيرانيين بالأنظمة الحاكمة والمؤسسات الحكومية دون إظهار أنشطة دينية، ويزيد النفوذ الإيراني في الأجهزة الأمنية والحكومية، وكذلك التغول الاقتصادي. الرابعة: بداية قطف الثمار، وتعتمد على إحداث الوقيعة بين الحكام والشعوب بزعاماتها السنية، فعن طريق السيطرة الإيرانية على اقتصاديات الدولة يحدث الخلل الاقتصادي بين النظام والشعب، وهو ما يؤدي إلى سخط شعبي، يستغله العملاء الإيرانيون في الوصول إلى مواقع أكثر حيوية وشراء مزيد من الأراضي والمؤسسات والعقارات، بينما هم يقومون بمساندة النظام وحثِّ الناس على الهدوء.

الخامسة: مرحلة النضج، عند الوصول إلى هذه المرحلة يفترض وفق الخطة أن تكون الدولة قد فقدت عناصر قوتها، وهي الأمن والاقتصاد والهدوء، فيستغل العملاء الإيرانيون الفوضى والاضطرابات وانعدام الثقة بين الحكام والشعوب لطرح أنفسهم بصفتهم مُخلِّصين(1).

ثالثًا: مرتكزات القوة للمشروع الإيراني

المرتكز الجغرافي:

تتمتع إيران بموقع استراتيجي مهمِّ بجوار المنطقة العربية من جهة الشرق، وإن هذه الطبيعة والموقع الجغرافي واتصالها بضفتي الخليج العربي حقيقة ثابتة لا يمكن تجاوزها ولا الحد من نتائجها التي تكونت عبر التاريخ، فإيران اليوم حلقة وصل بين الشرق والغرب وممر مهمّ لحركة التجارة العالمية، لكن هذه القيمة قد تضاءلت بعد فتح قناة السويس.

وهناك ثلاث دوائر جغرافية تشكل محط اهتمام إيران خارج حدودها: أ- دول القوقاز وبحر الخزر أو بحر قزوين وآسيا الوسطى، وتقع شمالي إيران. ب- منطقة الجزيرة العربية والخليج العربي، وتقع جنوب إيران. ج- المنطقة الواصلة بين إيران والبحر المتوسط، وتشمل: العراق وسورية ولبنان، وتكمن أهمية هذه المناطق في كونها تشكل الامتداد المذهبي لإيران؛ لوجود أقليات شيعية فيها، ولأهمية موقعها على معابر مائية مهمة، ولما تتمتع به من ثروات نفطية غنية.

المرتكز الديمغرافي:

يصل عدد سكان إيران إلى 80 مليون نسمة، فهي تحتل المركز السابع عشر عالميًّا التاسع آسيويًّا من حيث عدد السكان، وتتكون إيران من مزيج قومي يبلغ 30 قومية يشكل الفرس نسبة 50% منها، ثم الأذريون الأتراك التتر، وتبلغ نسبتهم 20 %، يليهم الأكراد ويشكلون نسبة 9% من مجموع السكان، ثم العرب ويتركزون في إقليم عربستان –الأهواز/خوزستان- والأقاليم المطلة على الخليج العربي(2)، وتتضارب المعلومات عن نسبة السنة في إيران، فهم في الإحصائيات شبه الرسمية 10%، وفي المصادر السنية 30%، وفي المصادر المستقلة 15 % - 20 % من سكان إيران(3).

هذا التنوع العرقي والمذهبي في إيران عامل قوة وضعف في الوقت ذاته، فهو يهدد التماسك الداخلي بين مكونات الشعب الإيراني، وفي الوقت نفسه يشكل عامل تواصل وتمدد خارج الحدود؛ فتقوم إيران بتشجيع سكانها الشيعة على الهجرة للبلاد العربية والاستقرار فيها، وقد استقرت عوائل إيرانية كثيرة في الكويت والعراق والبحرين، وأصبحت هذه الأسر تمارس دورًا ثقافيًّا واقتصاديًّا كبيرًا في الدول التي استقرت فيها، وتنظم زيارات سنوية للدول العربية تحت غطاء زيارة الأماكن المقدسة الشيعية.

المرتكز التاريخي:

إن التاريخ الإيراني الطويل الغني المتعاقب على كثير من الدول والإمبراطوريات يدفع الإيرانيين دائما إلى التطلع خارج الحدود لبناء إيران الكبرى وريثة الحضارة الفارسية، هذا مع تركيز خاص على العرب بسبب الجوار الجغرافي والنفسية الثأرية الإيرانية تجاه العرب، فنهاية الإمبراطورية الفارسية كانت على أيدي العرب المسلمين، ويمكن رصد هذه النفسية الإيرانية المشحونة بعقد التاريخ من خلال الوقوف على تصريحات علي يونسي مساعد الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير الاستخبارات السابق حين وصف بغداد بأنها عاصمة إيران كما كانت في السابق، وكذلك تصريح رحيم صفوي مستشار المرشد عندما قال: إننا وصلنا إلى البحر المتوسط للمرة الثالثة(4). وأيضًا تجد أخبار المهدي عندهم كثيرًا ما تركز على انتقامه من العرب وإعمال السيف فيهم، معبِّرةً تعبيرًا طبيعيًّا عما يعتلج في الذهنية الفارسية الرافضية من أوهام أو أحقاد.

المرتكز المذهبي:

وجدت إيران في التشيع ترسًا يحمي هويتها الثقافية والقومية ورمحًا تطعن به وقوسًا ترمي به سهامها ووسيلة تخترق بها الدول العربية والإسلامية، وما حصل من حروب صفوية عثمانية وما تفعله اليوم في العراق وسورية واليمن يظهر بوضوح مدى اعتماد السلطات الإيرانية على هذا المرتكز، فعلى الصعيد الداخلي تُعامِل الشيعي العربي الأهوازي من منطلق قومي عنصري، وتعامل السني الفارسي من منطلق طائفي، فهي ترى في الفكر الإسلامي السني مشروعَ تعريب، وترى في الفكر العربي عدوًّا تاريخيًّا وثقافيًّا؛ أمَّا معاملتها الخارجية فتتجه إلى استغلال عواطف الشيعي العربي وربطه بإيران بخطاب طائفيٍّ لتحوِّله إلى خنجر إيراني في خاصرة بلده التي يسكنها(5).

العدد السادس من مجلة ( مقاربات) التي يصدرها المجلس الإسلامي السوري 

الحلقة الأولى هنا

1 نشرت رابطة أهل السنة في إيران -مكتـب لندن– هذه الخطة المضمَّنة في الرسالة السرية للغاية الموجهة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايـات الإيرانية، راجع كتاب الخطة الخمسينية وإسقاطاتها في مملكة البحرين، د. هادف الشمري ط2، 1429هـ، ص (18).

2 صباح الموسوي وآخرون، المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية، مركز أمية للدراسات والبحوث الاستراتيجية، دار عمان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الثانية، ص (55).

3 بختيار أحمد صالح، الأقليات الإيرانية... ثغرات تسمح بضرب الأمن القومي، صحيفة الشرق الأوسط 6/ 8/ 2015/ العدد (13400). 

4 موقع الجزيرة نت، إيران: المسار التاريخي، رابط المقال http://cutt.us/bZAue، تاريخ الاطلاع 30 / 6/ 2019/. 

5 إيران تلعب على وتر مظلومية الأقلية، 23 يناير, 2016م، تم الاطلاع في 30 / 6/ 2019 / رابط المقال= http://cutt.us/QPKBM

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين