العشر الرابعة من الهمسات الخطابية في براعة الإلقاء وفن الخطابة

أخي الكريم

- خطيبًا

- محاضرًا

- موجّهًا

- تربويًّا

- دعويًّا

- إعلاميًّا 

هاتِ يدك لنمضِي في العشر الرابعة في دوحة تحسين المقال وطيب الكلام، ومع الخواطر المتعلقة بتحضير الخطبة أيضا:

١- من أكثر ما يعيب صاحب القول ولا سيما في عصرنا الراهن - عصر العولمة - هو الوقوع في الشطَحَات، وذكر العجائب والغرائب، واللجوء إلى المبالغات اغترارًا بأنظار السامعين، وانشدادهم ومتابعتهم لها.

وإن كثيرًا من الحكايا الساذجة المسلّية مظِنة الدَّجَل، وتوسيع الأوهام، وبؤرة الخرافة والجهل، فلِم لا نلتزم بقطعيّ الثبوت قطعيّ الدلالة - قدر المستطاع- أو قريبا من القطعي مما يحتجّ به؟.

أخي المتحدّث:

نحن في زمن السرعة فاكتفِ بالصحيح الثابت والحسن المقبول الموجز، وتجنّب الإغراء والإغراب الذي قد تجده في ثنايا بعض الكتب، وتيقّن أن هناك من القَصص القرآني والنبوي والتاريخي ما يَثبت وينفع وتقبلُه العقول السليمة ويغني عن مثل تلك الحكايا المتناثرة المشتهرة على ألسنة العامة.

٢- إليك سلم التقييم الاختباري الذي تعدُّ من خلاله الخطاب والإلقاء ناجحًا أو غير ناجح، مع درجة التقدير له؟

- مقدار إثارة الخيال، ورسم الصور الإيجابية التي تخدم الفكرة في الذهن.

- اختيار الكلمات والعبارات المناسبة وضبطُها، وحسنُ أدائها فيما يخدم الموضوع.

- حسن التقسيم لأفكار الخطبة مع براعة الاستهلال، وحسن الختام.

- حسن الاستشهاد والاستدلال بالنصوص الشرعية الثابتة والأحداث الواقعية.

- ثقة الخطيب بخطبته، والمحاضر بمادته، ووضوح صدقه فيها - ظهور شعوره وروحه فيها-

- وحدة الموضوع، وتمكّن المستمعين من الاتفاق على موضوع الخطبة، والتقارب في تحديد عنوانها من أبرز المقومات التي تشير إلى نجاح الخطبة.

- ملامسة الخطيب للواقع، وإمكانية إحداث الأثر العمليّ في المجتمع.

٣- أخي الخطيب

لا تهجر القرآن والسنة في خطبتك،

فمن عجائب ما قد يقع به البعض الغفلة عن الاستشهاد بنصوص القرآن والسنة، والاستغراق بالتحليلات الظنية، وغير المحسومة علميًّا، مما لا توثيق فيه، ولا طائل منه.

وهذا نوع جديد من أنواع هجر القرآن الكريم، حتى أن الخطيب قد يغفل عن آية، وهي عمدة خطبته، وتلخيص كلامه.

إن الناس يتابعون الأخبار في كل وسائل الاتصال الحديثة، وهم ماثِلون بين يديك لا لأجل مزيد منها بل ليستمعوا هدي الكتاب الذي لاريب فيه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

وحين نؤكد على أن الخطبة يجب أن تعالج موضوعا من واقع الناس لا نعني إلا أن تذكر الحلول من النصوص لهذا الواقع، لا أن تشخّص المرض وتسترسل في ذكر الداء ثم تنسى تلقين الشفاء، وتلقيم الدواء.

٤- أخي الكريم

سيلزمك أن تأخذ من بضاعة الآخرين وعلومهم الكونية وفنونهم الاجتماعية والحياتية ... حتى تحمل الثقافة الكافية في مختلف العلوم لتتوّج خطابك بالنجاح.

فلربما تخطب في مجتمع لا تحمل ثقافتهم أو بأفراد يتميزون عنك بواسع اهتماماتهم وتنوع اطّلاعاتهم ☇فينكمشون منك لعدم توفر صلة الوصل بينك وبينهم.

ولا عليك - أخي الغالي - إلا الاطلاع العام على الثقافات والأنماط المجتمعية- بقدر المستطاع - أو على الفئة المستهدفة التي توجّه لها خطابك فقط -على أقل تقدير -

٥- استفِد من غيرك، وأفِد غيرك، فالخطابة والإلقاء تراكم خبرات، ونتائج تجارِب، وفنّ يجمع بين الماضي والحاضر، فكن صاحب استماع وإنصات للآخرين وإصغاء لهم. وتنبّه لأولئك الذين ينصتون لك فأرعِهِم اهتمامك، وانقل خبرتك لهم، فالأمة مفتقرة إلى من يدخل هذا المضمار ويمضي في حَلَبَة السباق.

٦- اعتنِ بلغة الجسد، وحركة اليد المنضبطة بالكلمة والفكرة، والالتفات المتوازن الذي لا يُغفل القاصي ولا الداني.

واعلم أن تعابير الوجه ولغة الجسد ترفع عنك ثقل إيصال الفكرة بنسبة كبيرة جدًّا، وهي وسيلة لتعزيز رسالتك وإبعاد الملل، بل تشدّ انتباه المستقبِل، وتوصل له الفكرة بصورة أسرع.

٧- لا يعني رجوعك لعدة مصادر من الكتب والموسوعات هو نجاح خطبتك، بل ربما يؤدي بك إلى التشعب والتشتت، أو قد تضعف عن تقديم زبدة الكلام.

فالكتب المطولة والموسوعات العلمية ليست مصادر للخطبة دائما، لأنها للقراءة والأبحاث، والخطبة للاستماع والإنصات، فلا بد من أن تكون ألفاظها مساعدة على رسم صورة في الذهن تلو صورة، ومشهدا تلو مشهد، من ألفاظ وتراكيب وجمل وما إلى ذلك.

٨- خصّص مذكرة أو مفكرة فيها ما يعزز خطابك من صيد الخاطر، ووحي القلم.

واجمع فيها قطوفك من الفوائد والفرائد، مما يقوّي خطابك نثرًا وشعرًا، بحيث يكون مخزونا استراتيجيا في مسيرتك الخطابية والفكرية..ولا بأس بأن تكون مقتبسة من أصحاب الباع الطويل في هذا الفن.

بل وحافِظ على مسوّدات خُطبك لتلحظ تقدمك وتطورك، بين الفينة والأخرى.

٩- من الوسائل التي تساعدك على التخلص من قراءة الخطبة من الورقة في أثناء الخطاب أن تحضّرها ابتداء من دون ورقة فلا تكون مكتوبة عندك ابتداء، غاية ما هنالك أن يكون عندك قصاصة ورقية فيها رؤوس الأقلام أي عناوين الأفكار الرئيسة للخطبة تستأنس بها عند اللزوم.

١٠- لك أن تكرر خطابك الذي بذلت له الوقت والجهد والنصب، في الندوات والمحاضرات والجلسات، بما يتناسب والحال الذي تجده مناسبا، وذلك لتعميم الفائدة التي تعبت لأجلها.

ومن الممكن - أيضا - أن تحاضر بأفكار خطبتك وتتمرّن عليها في اللقاءات والجلسات قبل الخطبة ثم تخطب بها، إذ تتثبت الأفكار وتلحظ الثغرات التي من الممكن أن تمرّ بك في أثناء الخطبة.

الحلقة السابقة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين