إيذاء الصالحين

 

قالوا: ماترى في إيذاء الصالحين؟

 

 

قلت: هو مما حرمه الله من الظلم والعدوان، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) يونس: 13. و(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) الكهف: 59. و(فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) الحج: 45-46.

وأخرج مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظالَموا ... الحديث. 

وقال الإمام الشافعي رحمه الله: بئس الزاد العدوان على العباد.

قالوا: ما أشد أنواع الظلم؟

قلت: الشرك بالله تعالى، قالوا: أخبرنا عن ظلم الناس بعضهم بعضا، قلت: كله ثقيل باهظ، وأسوأه إيذاء الصالحين والنَّيل منهم والوقيعة فيهم، والاعتداء عليهم وعلى ذويهم وأصحابهم، قَالَ الله تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) الأحزاب:58، وعن الفضيل قال: والله ما يحل لك أن تؤذي كلباً ولا خنزيراً بغير حق، فكيف تؤذي مسلماً. ومن ظلمَ أولياء الله الصالحين خذله الله ومقته وأبغضه وقلاه.

قالوا: ما دليلك على مقت الله الظالمين للأولياء الصالحين؟

قلت: أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قال: "من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب". ولا ريب في خسران من آذنه الله بالحرب وهوانه وضعته وصغاره.

قالوا: ما تخاف عليهم؟ عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"، فلا يغترنَّ الظلمة بأحكم الحاكمين، وكل ما استحلوه من ظلم وجور وطغيان وعدوان فإنه شؤم لهم ولؤم، وبؤس وشقاء، والظلم أظلم من ليل دامس وأقبح من سرائر البغايا المومسات.

قالوا: ما عذابهم في الدنيا؟ 

قلت: ما أكثر ما يعذب الله الظالمين عباده الصالحين في الدنيا، فلن يأمنوا عقابه العاجل ونكاله النازل، وما من ظالم إلا سيبلى بأظلم، في سير أعلام النبلاء: يقول أبو رجاء العطاردي: كان لنا جار من بلهجيم فقدم الكوفة فقال: ما ترون هذا الفاسق ابن الفاسق قتله الله، يعني: الحسين بن علي؟، فرماه الله بكوكبين من السماء فطمس بصره. وحدّث رجلٌ بحديث عن أبي هريرة، فقال بعض أصحاب الرأي مسيئا إليه: إنه ليس بفقيه، فسقطت حيَّة من السماء، فجعلت تتبعه وهو ينطلق، والناس يقولون: تب إلى الله، تب إلى الله، ويقول الذهبي: عامة من سعى في دم عثمان قُتلوا، وعسى القتل خيراً لهم وتمحيصا. 

وعن علي بن زيد قال: قال لي سعيد بن المسيب: قل لقائدك يقوم فينظر إلى وجه هذا الرجل وإلى جسده، فقام وجاء فقال: رأيت وجه زنجي وجسده أبيض، فقال سعيد: إن هذا سبَّ هؤلاء طلحة والزبير وعليًّا، فنهيته، فأبى، فدعوت الله عليه قلت: إن كان كاذباً فسود الله وجهه، فخرجت بوجهه قرحة فاسود وجهه. وجاء عن سعيد بن أبي عروبة قال: من سب عثمان افتقر.

قالوا: ما عذابهم في الآخرة؟ 

قلت: كل ظالم سوف يلقى الجبار مجازيا على سوء فعاله، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم:42. حتى إن الله ينصف البهائم المظلومة من البهائم الظالمة، ففي مسلم من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتُؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، وأخرج البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَن كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان لـه عمل صالحٌ أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن لـه حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم لـه ولا متاع. قال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، فُيعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرِحت عليه، ثم طرح في النار.

قالوا: فما توصينا؟

قلت: أوصيكم أن تتجنبوا الظلم بأنواعه، فالظلم مرتعه وخيم، وإذا استحسن الظالم مذهبه وتبختر في رأيه ولج عتوا في قبيح اكتسابه، فقد وكل نفسه إلى ريب الزمان وسيبدو له ما لم يكن في حسابه، وستنيخ صروف الحادثات ببابه، وعوقب بالجور الذي استطابه، وصب الله عليه سخطه وعذابه.

وأوصيكم أن تحترموا الصالحين، وتحبوهم، وتجالسوهم وتناصروهم، وإياكم أن تبغوا عليهم عاسفين وجائرين، فإن البغاء عليهم ظلم مبين، وإن المهيمن القهار ناصرهم، واندموا على خطاياكم واستغفروا ربكم فإنه هو الغفور الرحيم.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين