الإنصاف

الإنصاف تعني العدل وتعني أن تأخذ الذي لك وتعطي الذي عليك.

وقد ذمَّ الله أقوامًا وتوعَّدهم بالهلاك وهم الذين يستوفون الذي لهم من الحقوق ويخسرون الذي لغيرهم قال تعالى :

( ويل للمطفّفين الذين إذا اكتالوا على النَّاس يستوفون وإذا كالوهم او وزنوهم يخسرون )

كما طالب الله الجميع بان يكونوا منصفين عادلين قال تعالى: ( وأوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ) [سورة الإسراء : 35]

كما قال تعالى: ( وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ) [سورة الرحمن:9]

وما جاء في هذه الآيات وغيرها حول هذا المعنى خاص بالأمور الماديَّة ( مكيال ميزان ) ( حنطة شعيىر ذهب سمن زيت الخ ) وصريح في مطالبة الإنسان بأن يستوفي الحق المادي الذي له بدون ظلم أو زيادة وصريح كذلك بأن يدفع ما عليه بدون نقص

ولكنه يشير وبوضوح إلى قبح التطفيف المعنوي المقيت مدحًا وذمًّا او حبًّا وبغضًا أو رضا وسخطًا

إنه من حقك أن تحب ولدك وتمدحه بخصاله الطيبة فاسمح للآخرين أن يحبّوا أولادهم ويمدحوهم، ومن حقك أن تجد في والديك المثل الأعلى لك كذلك من حقِّ غيرك من الأبناء ان يجدوا في والديهم المثل الأعلى

ومن حقِّك كتلميذ أن تكون وفيًّا مع شيخك فتذكره بكل صفاته الطيِّبة فلماذا تتحسَّس إذا مدح تلميذ شيخه أمامك.

مريدوك وتلامذتك ممدوحون على لسانك محبوبون إلى قلبك، وهذا طيب وجيد والأطيب منه أن تسر بثناء الشيوخ الآخرين على تلامذتهم ومريديهم أمامك.

هل من العدل والإنصاف أن تتلمَّس حسنات شيخك أو مدرستك أو طريقتك وتبحث عن سيئات المشايخ الآخرين ومدارسهم وطرق دعوتهم.

إذا كان التَّطفيف المادّي يفسر على أنه طمع في الدنيا ذهب وفضة فإن التطفيف المعنوي يفسر على أنه حسد مذموم أو كِبْر قاتل او أنانية مقيتة.

وإذا كان عدم الإنصاف مذمومًا في الأمور المادية مرة فإنه مذموم عندي في الأمور المعنوية ألف مرة، وذلك نظرًا لما يحدثه ذلك التطفيف المعنوي من آثار سيِّئة على الأمة عموما حيث يتفرَّق صفها وتعكر صدور بعضها على البعض الآخر وتقتحم هيبة رموزها ومشايخها ودعاتها

وإني والحمد لله عز وجل أشعر بفرح غامر عندما يفخر تلاميذ بشيخهم وتدخلني نشوة عندما يباهي شيخ بتلاميذه لأن هذا وفاء وخلق نبوي كريم لكني أشعر بامتعاض شديد عندما تنال --تصريحا أو تلميحا-- من كرامة الآخرين وتنقص من قدرهم وهم أناس طيبون مثلك ومثل من تحبهم.

إذا كان شيخك قد سدَّ ثغرة في الدعوة إلى الله فإن المشايخ الآخرين قد سدوا ثغرات وإذا كان تلامذتك قد قاموا بالطيب من الأعمال فإن تلامذة غيرك فيهم الخير والبركة كذلك

هل من الإنصاف أن أنظر إلى نصف كأسي الملآن وأنظر إلى النصف الفارغ من كأس غيري ؟

قال الشاعر :

أقلُّوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم = أو سدُّوا الفراغ الذي سدُّوا 

وأعتقد أن الخسائر التي لحقت بأمتنا من وراء التطفيف المعنوي بواسطة القلب واللسان واليد أضعاف أضعاف الخسائر التي لحقت بنا بسبب مكر أعدائنا بنا وإن شئت فقل: إن المكر الكُبَّار الذي مكره العدو بنا هو الذي ساعد على وجود ذلك التَّطفيف المعنوي ورعاه ونمَّاه شعرنا أو لم نشعر وساعد على وجود سلبياته الخطيرة التي أوصلت أمَّتنا إلى ما وصلت إليه، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين