رسول بعث لمكارم الأخلاق

الأخلاق من أهم القيم التي يجب توافرها في المجتمع، والتي تُساعد على بنائه وتطويره، والأخلاق هي الضّامن الوحيد لاستمراريّة الحياة على سطح الكرة الأرضيّة بسلام ومودّة ومحبّة، الأخلاق والقيم الحميدة من الركائز الأساسية لبناء أساس الحضارات، وهي الوسيلة القائمة للمعاملة بين الناس والشعوب.

الأخلاق مجموعة مبادئ وقواعد أقرها الوحي من خلال القرآن الكريم والسنه النبوية الشريفة، تهدف إلى ضبط وتنظيم سلوك الأفراد مع باقي أفراد المجتمع بمختلف الظروف والأماكن، حتى تتحقق الأهداف الذي خلق من أجله الفرد بدون عواقب، وقد حثت جميع الأديان السماوية على حسن الأخلاق واعتبرتها معيارا لتقدم الشعوب وحضاراتها لان الأخلاق عماد كل إنسان.

والأخلاق أهم عنصر في تكوين الفرد المثالي والأسرة السليمة، والمجتمع الراقي والدولة المتقدمة، ومن اجل ذلك حرص الإسلام اشد الحرص على أعداد المجتمع وتهذيبه. فالأخلاق الفاضلة هي التي تعصم هذه المجتمعات من الانحلال وتصون الحضارة والمدنية من الضياع ومن دونها لا تنهض الأمم ولا تقوى إلا بها. تتنوّع الأخلاق لتشمل العديد من الشّمائل، مثل الصّدق، والأمانة، وحبّ الغير والحرص على النّاس، وعلى أموالهم، وحيواتهم، وممتلكاتهم، وأعراضهم، كما تشمل أيضاً الابتعاد عن الغيبة والكلام الفاحش، والإخلاص في العمل، والنّزاهة، ومكارم الأخلاق قطعاً لا يمكن عدّها ولا إحصاؤها.

إن الإسلام دين أخلاق وسلام، والأخلاق ركيزة أساسية من ركائز الإسلام. لقد أمر الإسلام المسلم بالالتزام والتحلي بمكارم الأخلاق والتحلي بها، مثل خلق الكرم الذي حث الله عز وجل ورسوله على إكرام المحتاجين والفقراء، والابتعاد عن البخل تلك الصفة السيئة والذميمة التي ينهى الإسلام عنها، وصفة الصبر عند المصائب وحمد الله على البلاء، الذي يختبر الله بها مدى قدرتنا على الصبر على الشدائد، والتحلي بصفة القناعة بما قسم الله للإنسان، والتواضع وعدم التكبر في التعامل مع الآخرين. هذه هي أخلاق الإنسان المسلم العظيمة التي تكون من صنع الإنسان نفسه، فتبسمه في وجه المسيء له، تجعله يستحق أن يفخر بأخلاقه وتشعره بأنه محبوباً بين الناس، وتصل به نحو الرقي والتواضع في التعامل مع الأخرين.

فقد جاءت الشّريعة الإسلامية لتُتمم الأخلاق الحميدة التي كانت سائدةً بين العرب، فلا يمكن إنكار حقيقة أنهم كانوا أقوامًا أصحاب أخلاق رفيعة، فقد عُرفوا بالعدل والكرم والشجاعة وغيرها، ولكنَّ الإسلام جاء ليرسخ الأخلاق الكريمة الموجودة في المجتمعات، وليزرع أخلاقًا جديدةً كالصدق والأمانة وما إلى ذلك.

إن هذه هي الأخلاق الكريمة النبيلة التي امتاز بها رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم، وقد امتلك بها النفوس والقلوب والمشاعر، ومن لقيه مرة امتلأ قلبه بحبه له والغرام به. فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" ليظهر لنا بأن الخُلق هو المعيار الأساسي في تقييم الإنسان اجتماعياً، وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أهميّة الأخلاق في الإسلام، وأنّه بالرغم من أنّها ليست أهم من العقيدة أو العبادة، إلّا أنها جاءت لتُتمم بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبأسلوب نبوي يؤكد على أهميتها لأنّ الخلق يُعبّر عن طبيعة الشخص وطريقة تعامله مع الآخرين وبناءً عليه سوف يُقيّمه الآخرون ويقيّموا الدين الاسلامي الذي يتبعه، فالعقيدة في القلب، والعبادة محصورة بين الله سبحانه وتعالى وعبده، فكلاهما لا يراها الآخرون على عكس الأخلاق.

وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم في أخلاقه آية لكل من هم حوله، فكل من تعامل معه من المؤمنين بدينه وغير المؤمنين شه عا الإسلام منذ بدء انطلاق الدعوة إلى الإسلام الحنيف إلى أهمية الأخلاق والتحلي بالصفات الحميدة، التي تمنح المسلم السلوك السوي والسليم، والتحلي بأخلاق الإسلام كالصدق والصبر والحلم والكرم والتصدق على الفقراء والتواضع، والتي تنعكس جميعها في حسن المعاملة مع الآخرين.

لم تظهر صفات الرسول الأخلاقية بعد البعث فقط وإنما منذ أن ولد وترعرع بين أفراد قومه قبل أن يُبعث. ومنذ اللحظة التي بُعث فيها الرسول برسالة الإسلام جاء أمر الله تعالى بنشر الأخلاق الإسلاميّة السمحة بين الأمم. كان الرسول صلى الله عليه وسلم مثالًا حيًا لمكارم الأخلاق، اجمتعت فيه الخصال والصفات الحميدة، ولهذا جاء مديح الله عز وجل لنبيه في كتابه العزيز بما لم يمدح به غيره من الأنبياء، فقال تعالى: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، إذ لم يأتِ على وجه الأرض شخص ذو صفات وأخلاق حسنة أكمل مما كان يمتلك عليه الصلاة والسلام.

كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يتميّز بأخلاقهِ الحسنة وحُسن تصرفهِ مع نفسه ومع أهل بيته والأشخاص المُحيطين بهِ، فكان مثالاً للخُلق والكرم والحُلم والأمانة والرحمة، ولهذا اختصه الله تعالى برسالته ونبوته وأرسله رحمة للعالمين ومتمماً لمكارم الأخلاق، ولذلك أثنى الله سبحانه وتعالى عليه بما لم يثن على نبي من أنبيائه، فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾

كان الرسل عليه ألف ألف الصلوات والتسليم أحسن من غيره جميعاخلقا وخلقا، وأفضلهم صلاحية وكمالا ظاهرا وباطنا وأكمل وأوسع في مكارم الأخلاق. فهو أسوة حسنة في سائر مراحل الحياة للإنسان، في الطفولة وفي الشباب، في الرجولة والكهولة، في المرض والصحة، في الشدائد والمحنة، في المعناة وفي الغلبة، في الرخاء والنعمة، في مواضع الحنان والمحبة، في الربح والخسارة، في الجفاء والوفاء.

لقد منح الله تعالى رسوله صفات إنسانية جمعة عجيبة، صفات جعلته يحترمه المجتمع كله لكرامة نفسه وحسن معاملته ومحبته وإخلاصه لخير الجميع، ولم يقصر في الهمة والعزيمة التي كان يقوم بهما في مجتمعه، ولم يسر في صورةالاختلاف مع أحبته وأقربائه إلا على درب الحق والعدل والكرم. لقد بعث الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم معلما للإنسانية، ومربيا لها، وهادديا إلى ما فيه سعادة الإنسان وخيره وفلاحه في الدنيا والآخرة، وحكيما في أداء شؤون الحياة، متحليا بمكارم الأخلاق.

إن مكارم الأخلاق عند الناس تكون بالمعاملة الحسنة، والإصلاح بين المتخاصمين والعفو والتسامح مع الآخرين، وصلة الرحم وحسن المعاشرة مع أهل البيت والجيران والأقارب، لتكون هنا أجمل الأخلاق الحميدة ومكارمها. لقد تطوّر مفهوم “مكارم الأخلاق” في الإدراك والسلوك الإنساني عبر تاريخ البشرية، ثم كانت البعثة المحمدية المحطة النهائية من محطات إنضاج ذلك المفهوم، كما يشير إلى ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق."

فالخلق صفة جميلة ومقدسة يفتقدها الكثير من الناس، في التعامل بأخلاق الكلام الجميل وحلاوة الأسلوب بالرفق واللين بالعمل وفي مجالات الحياة المختلفة، إنّ أساس هذا الدّين العظيم هو مكارم الأخلاق ومحاسنها. والأخلاق الإسلامية صالحه للتطبيق في كل زمان ومكان وهي تفرِض على جميع المسلمين المعاملة الحسنة والحميدة مع المسلمين وغير المسلمين على مختلف أديانهم وأفكارهم. فالإسلام والأخلاق وجهان لعملة واحدة، ومما لا شكَّ فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القدوة التي يجب أن يُحتذى بها، ولهذا يجب على المسلمين اتّباع أخلاقه وصفاته، وأن سبب بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس مكارم الأخلاق.

إن شهر المبارك يتذكر لنا أن نقوم بتغيير الوضع بالخروج من الشر إلى الخير، ومن الأهواء السافلة إلى مكارم الأخلاق. وإن مناسبة المولد النبوي مناسبة لتجديد العهد للتمسك بتعليم هذا النبي العظيم، وتطبيقه في الحياة، وتنقية الحياة من شائبة ونقص لا يطابق مع السيرة هذا القائد الذي وصفه القرآن برحمة العالمين.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين