قالت العقلاء

عندما قالت العقلاء: العدل أساس الملك، إنما قالت ذلك عن خبرة ودراية، لأنه فعلا: العدل هو قوام الحكم ..

القرآن الكريم مدح حكاما بحسن إدارتهم لشؤون الدولة وهم غير مسلمين: الملك الذي كان زمن سيدنا يوسف عليه السلام، وملكة سبأ.

ملك يوسف:

يوم أن رأى الملك تلك الرؤيا المفزعة وفيها سبع بقرات عجاف، نحيلات، يأكلن سبع بقرات سمان، ورأى سبع سنبلات خضر، وأخر يابسات، تشاءم من الرؤيا، فجمع لها المعبرين الذين أخذوا يسكنون روعه بالكلم الطيب، وأن ما رآه أضغاث أحلام وليس رؤيا حقيقة، باستثناء رجل قُدِّرَ له أن يكون فترة مع سيدنا يوسف في سجنه الذي آثره على دعوة الباطل، فاستأذن الملك، وذهب بالرؤيا إلى سيدنا يوسف عليه السلام، الذي بين لهم أن هناك مجاعة قادمة على البلاد بعد سبع سنين، وستدوم سبع سنين، ولم يكتف فقط ببيان المشكلة بل وضع لهم سبيل معالجتها ومواجهتها، وهو ما يعبر عنه في زماننا بإدارة الأزمة، فلما سمع الملك التأويل طلب بجلب يوسف إليه ليكون مستشارا وشريكا في الملك، فمن يملك مثل هذه العقلية الفذة في إدارة الأزمات مكانه مستشارا مع الملك وشريكا في إدارة الدولة، وهذا ما مدح عليه هذا الملك العاقل..

ملكة سبأ:

جاء الهدهدُ نبيَ الله سليمان عليه السلام بخبر عن قوم تحكمهم امرأة ويسجدون للشمس والقمر من دون الله، فأرسل إليهم برسالة يدعوهم فيها إلى العودة للفطرة الإنسانية وعبادة الله الواحد، ويخبرنا القرآن الكريم في سورة النمل عن الحوار الذي دار بين الملكة وبين حاشيتها، وكيف أنها جمعتهم واستشارتهم، وطلبت منهم الصدق في المشورة (ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون)، ولم تقل حتى تُشيرون، لأنها لا تريد منهم تزلفا في القول ومسايرة، وإنما تريد كلمة حق وصدق، لذلك عبرت عنها بالشهادة.

وهذا تصرف تشكر عليه هذه الملكة العاقلة التي مدح القرآن تصرفها في إدارة الدولة.

مدح العدل والعادلين:

لذلك كان من منطق الحق أن يُمدحَ العادلُ كائنا من كان بغض النظر عن لونه ودينه، وهذا نبينا عليه الصلاة والسلام يمدح ملك الحبشة النصراني لأنه «ملك لا يظلم عنده أحد».

في الوقت الذي أخبر فيه عن حكام ظلمة فسقة يلون أمر الأمة في قادمات الأيام من بعده، وذكر أن هلاك الأمة على يدي أغيلمة سفهاء من قريش.

فلا القرشية تنفعهم، ولا الانتساب إلى الدين، وقد خرجوا عن حد العدل في الحكم.

هكذا فلتكن الملوك: 

في كتابه: «سياست نامه، أو: سِـيَـرُ الملوك»، يذكر المؤلف: الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أبو علي، الملقب بقوام الدين، نظام الملك (المتوفى: 485هـ)، سبب وضعه للكتاب وأنه بناءً على طلبٍ من السلطان ملكشاه السلجوقي، حيث إنه وجه للطوسي ولغيره من العلماء رسالة سنة 479 هـ ، يطلب فيها منهم النصيحة. ومما جاء في رسالته:

(ليقلب كل مِنْكُم صفحات فكره ويتأمل: أيوجد ثمَّة شَيْءٌ غير مَحْمُود على عهدنا؟ أَو أَنه جرى على غير شَرطه؟ أَو غاب عَن أَعيننَا وخفي علينا تنفيذه؟ سَوَاء فِي البلاط أم الدِّيوَان أم الْقصر أم الْمجْلس؟ هَل من أَمر سَار فِيهِ الْمُلُوك قبلنَا سيرا صَحِيحا وفاتنا ذَلِك؟

أنعموا النّظر فِي كل شَيْء من أنظمة الْملك وقواعده وعادات الْمُلُوك فِي عهد مُلُوك السلاجقة السالفين، تأملوها جيدا ، وقيدوها بجلاء، ثمَّ أعرضوها علينا كَيْمَا نَنْظُر فِيهَا ونأمر بِأَن تطبق الْأُمُور الدِّينِيَّة والدنيوية بعد هَذَا وفْق أُصُولهَا وقواعدها، ونعرف مَا يُمكن تلافيه، ونجري كل أَمر على شَرطه وقاعدته، ونقضي بتنفيذ أوَامِر الله تَعَالَى وتطبيقها، ونتلافى مَا نستطيع كل مَا مضى من عمل سيئ ، لِأَن الله تَعَالَى وهبنا الدُّنْيَا ومُلكَها ، وأسبغ علينا نعْمَة كَامِلَة ، وقهر أعداءنا. يَنْبَغِي أَلا يظل أَي شَيْء بعد الْآن فِي مملكتنا نَاقِصا أَو متزلزلا أَو أَن الْأُمُور فِيهَا تسير بِخِلَاف الشَّرْع وأوامر الله تَعَالَى).

ألا هكذا فلتكن الملوك..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين