المقارنة بين العلماء

 

المقارنة بين العلماء كالمقارنة بين الأنبياء، وقد نهانا الله تعالى عن التفريق بين رسله، لأنه لا فائدة في ذلك إلا إحداث العصبية والتحزب، والحق أنه لا سبيل لنا إلى معرفة فضل عالم على غيره، لأن التفضيل مبني على صالح الأعمال وإخلاص النيات، والإخلاص لا يعلمه إلا الله تعالى، وكذلك صالح الأعمال لا نطلع إلا على القليل منها، فعامة العلماء يخفون أعمالهم الصالحة.

وإنما تمكن المقارنة بين الإنتاجات العلمية، أو مناهج التدريس، أو الآراء وأدلتها، وقد تنشأ الحاجة إلى مثل هذه المقارنة، فمثلا نقول: أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى صحيحا الإمامين البخاري ومسلم، أو نقول: إن كتاب سيبويه أفضل كتاب في النحو، أو نقول: إن تهذيب الكمال أفضل كتاب في رجال كتب الأصول، أو إن فتح الباري أفضل شروح البخاري، وقد يقع في هذا التفضيل اختلاف فحينئذ نحتاج إلى تقريره بالأدلة.

وأما تفضيل عالم على آخر بأنه لقب بشيخ الإسلام، أو بأنه مجدد قرنه، أو بأنه إمام الأئمة، أو الإمام الأعظم فهو تفضيل طائفي حزبي وعصبي، وليس بتفضيل علمي أكاديمي، لأن هذه الألقاب ليست من عند الله ولا رسوله، وإنما هي من جهة الناس أو من قِبل بعض العلماء لأغراض شتى ليس هذا موضع شرحها.

وبصدد الحديث عن الإمام ابن تيمية أقول: ظهر فضله على كثير من العلماء من ناحيتين:

الأولى: منهج تقرير الأدلة، فإنه دائما يقرر أدلة القرآن والسنة في عامة المسائل العلمية والفقهية والكلامية تقريرا لا يوجد له نظير، وإذا أردنا أن نعرف ذلك فشاهد الوجود خير دليل عليه، خذوا مسألة علمية ناقشها ابن تيمية وناقشها غيره من العلماء، فقارنوا بين المناقشتين تجدوا أن ابن تيمية أقوى من غيره في تقرير أدلته وتحريرها.

 

الثانية: بعض مؤلفاته، فمثلا كتبه "مقدمة في أصول التفسير"، و"الرد على المنطقيين" و"درء التعارض بين العقل والنقل" و"الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" و"منهاج السنة النبوية" وكتاباته عن ربوبية الله تعالى وألوهيته، وعن النبوة والمعجزات على الذروة العليا، ولا تزال أفضل كتب وكتابات في موضوعاتها إلى يومنا هذا.

إنما غرضي من هذا المقال هو أن نعرف لكل ذي فضل فضله ونستفيد منه، ولا نبخس الناس حقوقهم، وأسأل الله تعالى أن يجنبنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ويجعلنا من الصالحين عبادا لله إخوانا.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين