أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينظر أحدكم إلى من هو قوفه في الخَلق أو الخُلق أو المال، ولكن لينظر إلى من هو دونه)). وفي رواية: ((إذا نظر أحدكم إلى من فُضل عليه في المال والخَلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه)). وهذا الحديث متفق على صحته، رواه البخاري ومسلم.

يعلمنا هذا الحديث مهارة متقدمة للتكيف والتنمية الذاتية. ويمكن أن نحدد في هذه المهارة مرحلتين:

المرحلة الأولى: تتضمن الآتي:

1- عدم الاستسلام للمشاعر السلبية كمشاعر الحرمان أو النقص.

2- الانتباه للهدف، تذكر ماذا أريد وما غايتي قي حياتي، والهدف هنا هدف متعلق بالذات، وليس بالبيئة: أريد أن لا أزدري نعم الله علي. وهذا الهدف له بُعد معرفي ووجداني وسلوكي.

3- توسيع الرؤية وإدراك النظام، وخاصة في حالات الظواهر المعقدة التي تبدو عند النظر الضيق وفي حالات الانطباع الأول عشوائية، ويدرك انتظامها وتناسقها بمزيد من المعرفة والرؤى العميقة لها. فعند إعادة النظر للمشهد يدرك الشخص أن الناس تتفاوت في مراتبها، واختلاف المراتب يضع كل إنسان على موقع ضمن نظام توزيع، لكن نظام توزع الخصائص المادية لا يتطابق بالضرورة مع نظام توزع السرور أو السعادة. 

4- بالنسبة للمؤمن، يميز نفسه بإيمانه بالله واليوم الآخر، فيلاحظ نظام التوزيع الدنيوي، وينتبه إلى أن نظام التوزيع في الأعمال التي ترفع الدرجات في الآخرة نظام مختلف. وفي هذا الحديث جاء الأمر بالنظر الى من في المرتبة الأدنى عندما يكون الأمر دنيوياً (المال أو الصفات الجسمية أو النفسية).

5- يتمكن الإنسان بعد هذه العملية من إدراك الواقع إدراكاً جديداً، بمشاعر جديدة، مثلا ينتقل من اعتبار نفسه شخصاً تعيساً إلى شخص لديه عناصر كثيرة تدعوه للسرور والإيجابية.

المرحلة الثانية :

بعد تكرار العملية المذكورة في المرحلة الأولى يمكن أن تحدث التغييرات الآتية:

1- يتميز الشخص بمرونة التفكير والقدرة على تغيير زوايا النظر لمختلف المواقف.

2- يتميز الشخص بإدراك أعمق لذاته وقدراته، بغض النظر عن موقعه في بيئته، وينطلق من هذه القدرات في التعامل مع البيئة ومواجهة تحدياتها.

3- يعيش الإنسان خبرة الشكر لله تعالى، فإذا رغب بها وأحبها سعى لتكرارها، فيصبح كل مشهد يلحظ فيه الاختلاف يؤدي إلى مزيد من تقدير نعمة الله، والشعور بالرضا، والسعي للتقرب من الله تعالى.

ختاماً: ليس من دلالات الحديث تحريم سعي الإنسان لتحسين مكانته في بيئته أو تحسين البيئة ذاتها، لكن فيه النهي عن تغليب المشاعر السلبية التي تمنع الإنسان من حشد طاقته في مواجهة تحديات هذه البيئة.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين