الحق بين عُنجُهية فرعون وحق المستضعفين.

العُنْجُهِيَّةُ : الكِبْرُ ، والتَّعَظُّمُ والجَفاء. والعُنجُهي هو المتكبر، والمتعاظم، والجافي للحق، البعيد عن منطق الرشاد.

وسبب ذلك هو الاعتداد بالنفس الناتج عن تملك القوة التي يظن مالكها أنه لا يمكن أن يُهزَم مع وجودها...

والقرآن الكريم ذكر لنا أُنموذجا لهذه العُنجُهية المتمثلة بفرعون مصر الذي حكم العالم المعروف في زمنه أيام سيدنا موسى عليه السلام.

فهذا الحاكم العُنجُهي كان عنده اعتداد مفرط بقوته التي لا تماثلها قوة في زمنه وكان يعتبر أن هذا كاف في فرض المفاهيم ورسم السياسات العامة للدولة ذلك أن المنطق بالنسبة له تابع للقوة وليس العكس.

لذلك كان يعتبر أن الرشاد يتمثل فيما يشرعه وأن الحق فيما يقوله، فخاطب قومه مستخفا بهم: (ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، فما يخبرهم به هو ما يعتقده ويراه صوابا، وما يشرعه لهم ويرسمه من سياسات هو السبيل الوحيد إلى غد أفضل.

وعندما جاءه منطق الحق على لسان سيدنا موسى عليه السلام ، هذا المنطق الذي يصف هذا العنجهي على حقيقته، أنه: (علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم)، لم تحتمل نفسه سماع الحق فخرج يهدد ويتوعد .

وبالرغم من قوته المفرطة التي كانت تمثل له الحصن الحصين ، جاءت كلمة الحق على لسان سيدنا موسى عليه السلام والمستضعفين معه لتعري حقيقة هذا العنجهي بأن كل قوته المادية ليست شيئا إذا قيست بقوة منطق الحق.

وهكذا بدأت المواجهة بين فكرة الحق وقوة الباطل، وأخذ هذا العنجهي بجمع كل ما يملك من قوى عسكرية لمواجهة (فكرة الحق)، (وأرسل في المدائن حاشرين إن هؤلاء شرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون) ،

فهو ينظر باستخفاف إلى منطق الحق وأعداد التابعين له، هذا المنطق الذي لا يملك سوى الكلمة، ولكنها الكلمة التي لا يطيقها هذا العنجهي والتي تجعله يخرج عن طوره معبرا عن غيظه من الفكرة.

ومنشأ الغيظ أن قوته المادية، على عظمها ، لا تنفع في هذه المواجهة:

مواجهة قوة المنطق .. لمنطق القوة..

ومهما تقلبت الموازين وتبدلت فالنهاية هي هي :

(ونريد أن نمن على الذي استُضعِفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين. ونمكن لهم في الأرض، ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون).

وللحديث بقية.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين