لماذا (قاصرات الطرف)؟

لما كان من أكمل أوصاف الزوجة شرعًا وعقلًا وواقعًا ومنطقًا ألا يمتلئ قلبُها - في الحب الغريزي- إلا بحب زوجها والإعجاب به، والانكفاء على إشباعه عاطفيًا، وبالتالي الانشغال به الذي يشغلها عن سواه من الرجال،

لما كان ذلك جعل الله من أعظم ما يصف به حور العين في الجنة لينجذب إليها ويطمع فيها الرجال الأسوياء، والمؤمنون الأتقياء (فيهنَّ قاصراتُ الطرف) وقاصرة الطرف هي التي لا يكاد طرفها يتجه إلا حيث زوجها، كما أن من المفسرين من يرى المعنى: قاصرة طرف زوجها عليها لشدة جمالها الذي اتصفت به! وكلا المعنيين سائغ ووارد.

لن يأخذَ هذا الكلام مأخذ الجد إلا الصادق مع نفسه وقبل ذلك مع ربه ودينه؛ حيث لا يتفق هذا الطرح مع ما يدعو إليه دعاة التحرر والاختلاط بأنواعه، ودعاة الانفتاح اللامحدود، والمنبهرون بكل مجتمع يعرض المرأة على أنها مجرد بضاعة في الأسواق ولكل الناس الاطلاع عليها وتجاذب أطراف الحديث معها بلا سقف أو ضابط!

ولكي أوضح الصورة أكثر؛ يجدر بي أن أوردَ مثالا واقعيا بسيطا، إذ يخاطبُ شخصٌ في مجتمع منفتح لا يرى مانعًا من جلوس العائلات أزواجًا وزوجات في طاولة واحدة يتبادلون الكلام والضحك وما إلى ذلك، يخاطبُ هذا الشخص شخصًا آخر في مجتمع من مجتمعاتنا التي ورثت - تديُّنًا أو حتى عُرفًا- قناعات وسلوكًا تحول بين كل ذلك الذي يحصل في مجتمعات الانفتاح والتحرر، إذ يمكن للمرء أن يعيش عقودًا من الزمن لا يعرف من زوجة صاحبه المقرب، ولا من أخت صديقه الصدوق إلا ذلكم الجلباب الأسود والشبح الذي يمر عن غير قصد أمام ناظره!

فضلا عن أن يسمع حديثًا ماتعًا، أو ضحكة جاذبة، أو ابتسامة آسرة،

فقط الذي يحظى بكل ذلك هو الزوج الحليل الذي خلقها الله له!

أقول - وقد استطردتُ كثيرا للإيضاح- يخاطب ذلكم الشخصُ هذا الشخصَ بلغةِ إكبار وغبطة، أن احمدوا ربكم الذي جعلكم بهذه الحالة من العفة والحشمة، وانغلاق الأبواب تجاه الشيطان،

فلستم مثلنا، إذ كم نعاني ونهتم، هذا يضاحكُ زوجةَ ذَا، وَذَا مندمج في الحديث مع زوجة هذا، ولا يخفى على كل عاقل وصادق هنا ما يجيده الشيطان من تحسين صورة الأجانب على حساب الأقارب، كما لا يخفى ما يحصل من تكلف واضح من قبل الزوج أو الزوجة لإبداء صورة أجمل عنه، وما يترتب على ذلك من حزمة مقارنات تظل في خاطر هذا الزوج أو تلك الزوجة، بين أزواجهم وأزواج الآخرين!

كل هذا قد يبدو تشددا، أو من نسج خيال شخص شهواني ذي نظرة قاصرة للمرأة، غير أن الصادق - ليس فقط في دينه- ولكن في فطرته وعاطفته وعقله، يعي جيدا ما أقول، ويفهم كلفة هذا الوضع من ترك الحبل على الغارب.

الكلام في هذا الموضوع يتجاوز الحكم الشرعي إلى المواضيع الاجتماعية والعاطفية، فحتى من لا يبالي بضوابط العلاقات الاجتماعية شرعا، فليأخذها من باب المصلحة الاجتماعية والعاطفية والغرائزية،

وأخيرا

أقول بكل حب وحرص: أنْ تبالغ في الوقاية والحذر فتلتزم بما لم يجب عليك حرصًا على دينك، خَيْرٌ لك من أن تتساهل فتضع نفسك بالقرب من محارم الله ويسهل عليك اقتحامُها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين