الأخطبوط بول... حقيقة الحضارة...

سعود بن محمد الشويش



بعد انتهاء حمى كأس العالم أصبح البطل بلا منازع في هذا المونديال هو "الإخطبوط بول" وخسر "الببغاء ماني" ولقد نسي العالم من فاز بالكأس واستحق البطولة ومن خسر الذهب، وتوجهت الأنظار نحو حيوان رخوي يقبع في أحد المتاحف البحرية في ألمانيا، وأداروا ظهورهم لببغاء مسجون في قفص كما أداروا ظهورهم لآخر مباراة.
          تعددت المواقف تجاه هذا الإخطبوط وقد شغل الدنيا، وملأ وسائل الإعلام بمادة مثيرة تستجلب المزيد من المتابعين؛ حتى أصبحت تنقل توقعاته على الهواء مباشرة قبل كل مباراة لتبنى عليها الحرب الإعلامية الضروس والتحليلات الفنية للمباريات. وتعالت الأصوات مطالبة بتكريمه مرة، وبشوائه مرة أخرى، فهناك من يحاول حالياً سن قوانين في الاتحاد الأوربي لمنع صيد الإخطبوط  كما تطالب إسبانيا بذلك، وآخرون يطالبون بتقديمه وجبة مشوية كما يتحدث الألمان، واستغل بعضهم الظهور الإعلامي لهذا الحيوان الرخوي "بول" ليطالبه باستكشاف مستقبل العرب ونهايات الحروب في العالم - وإن كان يزعم أنه من باب السخرية - وآخرون عرضوا مبالغ مالية طائلة لشرائه  ليستشرف مستقبلهم.
       هذا الغرب الذي فُتِن كثير من أبناء جلدتنا وممن يتحدثون بلغتنا بحضارته وتقدمه ورقيه، وما فتئوا يطالبون بالسير على نهجه لبلوغ التقدم والحضارة يغرق في حوض صغير من الخرافة، ويصبح حبيس قفص من الوهم، ويرمي كل دراساته العلمية وخططه الإستراتيجية وتدريبات لاعبيه ومئات الملايين التي صرفها على الإعداد لخوض هذا المونديال في كفة، وهذا الحيوان الرخوي أو الببغاء الذي لا يعقل في الكفة  الأخرى، في محاولة لإيجاد مبرر للإخفاق أو داعم للنجاح. يضع كل تلك الأمور في الكفتين وقلبه يخفق خوفاً من حيوان رخوي محجوز في حوض مائي، أو ببغاء يقبع في قفص، على بعد آلاف الكيلومترات من جوهانسبيرغ.
        إن هذه الأحداث الصادمة لتثير الاشمئزاز في النفس المؤمنة لمخالفتها أصل التوحيد، كما أنها تعني تعطيل العقل والاستسلام للخرافة، وهذه أحد مداخل الناقمين على مجتمعنا من بني جلدتنا، والذين يتهمون مجتمعاتهم بأنها ببغاوات تردد ما تسمع دون أن تعمل عقولها، و هاهم أولاء قد أتو بالببغاء ليصدقوه ويتبين من هو الببغاء الحقيقي الذي يردد ما يقال له دون أن يفقه" أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ" الأعراف(179)، ولكن لأنها أتت من منبع الحضارة المزعوم فهي جديرة بالاهتمام والمتابعة، بل وتصديقها والسعي للاستفادة منها.
          هذا الاهتمام الذي حظي به الإخطبوط "بول"  أو الببغاء "ماني" يبين مقدار تخبط الحضارة الغربية في دركات الجهل والخرافة التي خلفها الخواء الروحي للحضارة المادية التي تلمع صورتها الخارجية المتمثلة في بناء حياتهم الدنيا، مخفية ظلمتها الحقيقية السرمدية كما وصفها الله بقوله: "يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ" الروم(7).
إن استشعار نعمة الإسلام العظيمة وتطبيق شعائره، وتحقيق التوحيد في النفوس، لهو المفتاح السحري للحضارة الحقيقية التي تشع نوراً حقيقياً لا بريقاً خادعاً، وهي الحياة الهانئة المفعمة بالحيوية  التي جعلها الله عز وجل نقيض الموت "أَوَ مَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" الأنعام(122).

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين