الشباب والرياضة

إن صحة الأبدان وسلامتها، وقوة الأجساد وعافيتها، والشعور بالقوة والنشاط والحيوية والنضارة أمور محبوبة، وتحقيقها والتمتع بها أهداف مرغوبة ومحمودة، وقديماً قيل: "العقل السليم في الجسم السليم". ولهذا كانت أهم واجبات الأبوين تغذية أبنائهم والحفاظ على صحتهم وسلامتهم، وصيانة أجسادهم ومراقبة نموهم، والعناية بهم لضمانة أهليتهم في قادمات الأيام للقيام بواجباتهم تجاه أنفسهم وأهليهم وأمتهم وأوطانهم، والشباب هم ذخر الأمة وعدتها للمستقبل الموعود، والغد السعيد، والنهضة المنشودة، ولا يتحقق ذلك إلا بالرياضات المشروعة، والألعاب المحمودة، والتمارين النافعة التي تشد العضلات وتفتل السواعد، وتمشق القوام، والتي بها كذلك نملأ الفراغ ونرشد اللهو، ونحفز الأبناء وبخاصة الشباب على تنمية قدراتهم وطاقاتهم ونستثمر ما تمور به أجسامهم من الحرارة والحيوية والنشاط الذي إذا لم يُوجّه في الخير سرى في دروب غيرها غير مرضية ولا مقبولة، بل ربما كانت قاتلة..

ورحم الله القائل:

إن الشباب والفراغ والجدة ... مفسدة للمرء أي مفسدة

ونحن في كثير من دولنا العربية وبخاصة في دول الخليج نعيش في فسحة من السعة والوفرة والرخاء التي نحمد الله عليها في كل حين وآن، ونرجوه جل وعلا أن يديمها علينا مع الأمن والأمان، وإن من أوجب واجبات الشكر أن نستعمل هذه النعمة في حماية الشباب ورعايتهم، وتوجيههم وتهيئة الأجواء المناسبة لهم لاستثمار طاقاتهم والاستفادة من أوقات فراغهم، وإشغالهم فيما فيه صلاحهم وخيرهم ومنفعتهم، وليس كالرياضة من ميدان واسع وفناء رحب وهواية محببة يمكن أن تهوي إليها أفئدتهم وتستأثر بقلوبهم.

وعندما نفعل ذلك نكون قد كسبنا ديناً ودنيا، وعملنا بنصيحة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، وربينا وبنينا الجيل القوي الذي يريده، والمواطن الذي يحبه الله ورسوله، وذلك تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" رواه مسلم.

وهكذا فإننا باهتمامنا بالرياضة، وبدعوة الشباب إليها وترغيبهم بها نكون قد ساهمنا مساهمة محمودة بإعداد الجيل الأحب لله ورسوله، والرجال الأفضل والأهم للأمة.

الرياضة في سيرته ومنهجه صلى الله عليه وسلم

وإن المتتبع لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه في التربية يرى أنه صلى الله عليه وسلم عني بالرياضة وبالتربية البدنية عناية كبيرة، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يرد عن الجيش في غزواته من كان دون الخامسة عشرة، فلما كان يوم بدر رد مجموعة من الفتيان كانوا في الخامسة عشرة، وأجاز يومئذ فتيان كانا قد تميزا في الرياضة البدنية هما سمرة بن جندب الفزاري و رافع بن خديج أخا بني حارثة وهما ابنا خمس عشرة سنة وكان قد ردهما من قبل، فقيل له: يا رسول الله إن رافعًا رام فأجازه، فلما أجازه، قيل له: يا رسول الله إن سمرة يصرع رافعًا، فأجازه كذلك.

وهكذا فقد شفعت الإجادة في فن من فنون الرياضة لهذين الشابين اليافعين بحضور غزوة بدر ونيل هذه المرتبة المرموقة بين أهل بدر بكون الأول رامياً من الطراز الأول ، وكون الثاني ماهراً في المصارعة، على حين رد رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرهما مثل : أسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وغيرهم ممن كان في عمرهم ، ولكنهم لم يتقنوا فناً من فنون الرياضة البدنية التي تؤهلهم للانضواء تحت لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما ذكر ابن الأثير في كتابه { أسد الغابة في معرفة الصحابة } عند ترجمته لرُكانة بن عبد يزيد بن هاشم أنه هو الذي صارع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثاُ ، علماً أن ركانة كان من أشد قريش ، وهو من مسلمة الفتح . ولم يكن في مكة من يصرعه أو يقدر عليه ، ولم يكن يراهن أحداً على ذلك إلا وربح الرهان ، إلا مع رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فكان هو الخاسر ، ورد عليه رسول الله رهانه . فصلى الله عليك يا رسول الله كم كنت قوياً وكم كنت بارعاً وكم كنت مؤيداً وقدوة للكبار والصغار والرجال والنساء .

وبمرورنا على النساء هنا نود أن نشير إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مصارعاً فقط ، بل كان قدوة في الجري كذلك ، فقد جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فسبقته – وكانت جارية – ثم سابقته ثانية فسبقني . وهكذا فإن الرياضة في حق النساء مطلوبة مادام الفن الرياضي مناسب، والظروف المحيطة مشروعة ، وإلا لما سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم أم المؤمنين رضي الله عنها . وإن اللفظ النبوي في الحديث السابق " المؤمن القوي " يشمل المؤمنة كذلك كما هو معروف في كثير من النصوص النبوية أنه إذا ذكر المؤمن دخلت معه المؤمنة وإذا ذكر المسلم دخلت معه المسلمة . ولا شك أن النساء القويات والأمهات السليمات النشيطات خيرٌ للأمة من النسوة الكسولات الضعيفات المترهلات .

رياضات محمودة ومهارات مطلوبة 

وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً قال : علموا أبناءكم السباحة والرمي . وفي رواية عن بكر بن عبد الله الأنصاري : علموا بنيكم السباحة والرمي . 

وفي الأحاديث النبوية والآثار الشريفة الكثير مما يحث على إتقان الفروسية والرمي وما يلحق بهما من فنون الرياضة . فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ارموا واركبوا ولأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا ، وقال : وليس من اللهو إلا ثلاث : تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته امرأته ، ورميه بقوسه ، ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة تركها، وفي رواية { كفرها } .

وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم على نفر ينتضلون ، فقال: ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً. { رواه البخاري}

وعن ابن عمر رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة {رواه البخاري} .

ومن العناية بالرياضة العناية بوسائلها وأدواتها وأسبابها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { من احتبس فرساً في سبيل الله إيماناً بالله وتصديقاً بوعده ، فإن شبعه وريّه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة } رواه البخاري.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إجراء المسابقات في ميادين الفروسية وتحديد المضمار والمسافة ومراعاة أنواع الخيول ومقدار تحملها ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت – أي التي هُيّأت وأعدت للسباق – من الحيفاء وأمدها إلى ثنية الوداع . وسابق بين الخيل التي لم تُضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن عبد الله بن عمر كان فيمن سابق بهما {رواه الشيخان} .

ومما يزيد اهتمامنا بالرياضة وعنايتنا بها ما جاء في القرآن الكريم من أخبار وقصص تمتدح القوة وتشيد بها وبالرجال الأقوياء من الأنبياء والصالحين . قال تعالى في الثناء على سيدنا داود عليه السلام : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب } سورة ص – آية 17. يقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في تفسيره: ومن أعظم العابدين نبي الله داود عليه الصلاة والسلام {ذا الأيد} أي القوة العظيمة على عبادة الله تعالى في بدنه وقلبه . 

وقال جل وعلا في وصف سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وكما جاء على لسان ابنة نبي الله شعيب عليه السلام : { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } القصص 26

وحينما بيّن جل وعلا الحكمة في اختيار طالوت ملكاً على بني إسرائيل لقتال جالوت وجنوده ، قال سبحانه : { إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم } البقرة 247

وجدير بنا أن نلاحظ هنا كيف قرنت الآية الكريمة بين سعة العلم والمعرفة وبين قوة الجسم وشدّته للتأهيل للملك والقيادة والسيادة ، وهذا لا يكون إلا بالرياضات النافعة والتدريبات المفيدة.

ويحسن بنا أن نشير هنا إلى صحة ما قيل : من أن عناية الإسلام بالصحة جزء من عنايته بقوة المسلمين المادية والمعنوية ، فهو يتطلب منا أجساماً تجري في عروقها دماء العافية ، ويمتلئ أصحابها قوة وفتوة ونشاطاً . 

فإن الأجسام المهزولة لا تطيق عبئاً ، والأيدي المرتعشة لا تقدم خيراً ، ولا خير في أمة اعتلت أجسام أبنائها ، فلا تكيد عدواً ولا تدير دولاباً ولا تثير أرضاً ولا تسقي حرثاً .

وأخيرا فإن ما سقناه من أحاديث وأثار حول الرياضات المعروفة عند سلفنا الصالح ، ينطبق ويشمل كثيراً من الرياضات الحديثة ، والألعاب المستحدثة ، التي يشهد العلم والواقع العلمي أنها تزيد الجسم قوة ونشاط وحيوية ، وتجمع الشباب على الانتفاع والاستمتاع بقضاء وقت الفراغ، ما اجتنبت المحاذير الشرعية من الاختلاط بين الجنسين وكشف العورات واجتناب الضربات المميتة أو المؤذية إيذاءً شديداً ، أو استهداف الوجه أو الأماكن الحساسة من البدن ، وغيرها من الضربات الخطيرة المستقبحة المعروفة عند أهل هذه الفنون في الملاكمة والمصارعة الحرة مما يعرفه المحترفون في هذه الرياضات والتي يجب الابتعاد عنها ، لأن هدفنا من الرياضة السعادة والاستفادة لا الإيذاء والإعطاب .

وختاماً نقول : إن حرص الحكومات في سائر البلاد على إنشاء النوادي الرياضية ، والفرق الكشفية والجوالة ، وأندية الفروسية ، ليس إلا من أجل بناء الأبدان القوية ، والأجسام السليمة التي تمد الأمة بالرجال الأقوياء والشباب الطامحين الأشداء ، ولله در الشاعر حيث قال : 

شبابٌ خُنّعٌ لا خير فيهم .... وبُوركَ في الشباب الطامحينا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين