هل تصبح الآلة أرحم بالإنسان من الإنسان ؟!

في كل يوم جديد يطلع علينا الغرب باختراعات جديدة! وانهيارات في القيم والعلاقات الإنسانية جديدة أيضاً! ففي ألمانيا –على سبيل المثال- كما في غيرها يعاني المسنون من ذويهم وأولادهم سوء المعاملة، وعدم الاحترام، وقد أوضح تقرير لوزارة الأسرة هناك أن عمليات التعذيب الجسدي، والإذلال النفسي تبدأ عند تجاوز هؤلاء المسنين لسن الستين أي في الوقت الذي تبدأ حاجة هؤلاء إلى غيرهم.

 وهذه المعاملة السيئة تبدأ بالتهديد بنقلهم إلى مأوى العجزة، ثم عزلهم تدريجياً، وتقليص الخدمة والمساعدة، ويليها خطوة لا يحسد عليها الإنسان وهي الاعتداء والنهر والاستيلاء على الأموال والموجودات الشخصية، ثم الامتناع عن عرضهم على الأطباء، وإعطائهم الأدوية اللازمة!

 وتعلل وزيرة الأسرة –وهي في غاية الأسف- بأن انخفاض معدل الوفيات، وازدياد معدل العمر –في ألمانيا بصورة عامة- من الأسباب الداعية إلى ذلك.. وكأن طول الأجل ذنب يؤاخذ عليه الإنسان في أرذل العمر؟! مع العلم أن ازدياد معدل العمر كان ولا يزال مدعاة إلى التفاخر في بلاد الغرب، وأنه دليل على الرفاهية والمستوى المعيشي المتقدم.

وأما التقرير فيفسر هذه الظاهرة بسيطرة الروح المادية وضعف الرابطة العائلية، والروح الإنسانية.

 وفي أمريكا حاولوا التخفيف من معاناة المسنين والتغلب على إفرازات هذه الظاهرة، فتوصلوا إلى جهاز كمبيوتر يعمل بالأوامر الصوتية، فيلبي احتياجات المسن!

 والاحتياجات –كما هو معلوم- تنقسم إلى قسمين رئيسين: جسدية، ونفسية. ولما كان المسنون يعانون بسبب عدم تلبيتهما، فإن المصممين قد أخذوا بعين الاعتبار هذه الملاحظة!

 فعندما يستيقظ المسن أو المعوَّق يستطيع أن يعطي أوامره للكمبيوتر لتشغيل الحمام الساخن، ثم يطلب الجريدة الصباحية وهو يتناول فطوره، وإذا كان الطقس بارداً أو حاراً فإن الحالة المطلوبة تتحقق بإصدار أمر، وهذا الكمبيوتر يرد على الهاتف، ويضيء الأنوار، أو يطفئها.

 وأما تلبيته للحاجات النفسية فتتمثل بأن يعطي المسن أوامره للكمبيوتر أن يسأله عن صحته، وعن سير الأمور كل عدة ساعات، وهو يستدعي الطبيب أو الصديق بحسب الحاجة، كما أنه يردد كلمة (حاضر –كما تريد) كلما طلب منه أن يفعل شيئاً.

 ويبقى أن نتساءل: هل يستطيع هذا الجهاز أن يبتسم في وجه المسن، فيرسم تكشيرة ما على الشاشة؟ وهل يستطيع أن يشعره بدفء الحنان من خلال كلمة طيبة من تلقاء نفسه؟ ومن تمام الخير أن كلفة هذا الجهاز 10 آلاف دولار سنوياً.

 فهل يغني ذلك عن المشاعر الإنسانية التي قد تظهر مع ابتسامة الطبيب، أو المشرف في زيارة التفقد الصباحية دون برمجة مسبقة، فتعطي للمسن المريض شيئاً من الثقة بأن الإنسان لا يزال أرحم بأخيه الإنسان من الآلة!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين