حوار الطرشان

هل دخلت ذات مرة في نقاش وشعرت أنك قد دخلت حرباً من حروب الجاهلية؟ هل تحدثت مع أحدهم واكتشفت لاحقاً بأنه لم يكن منتبهاً الى حديثك وأن ردوده ببساطة كانت تلقائية وكانه يسمعك ولا يفهمك مثل نقاش الأزواج والزوجات أو الآباء مع الأبناء، حواراتهم عقيمة وكأنهم أصيبوا جميعاً بالصمم، فكل يغني على ليلاه. نقاش بسيط، وبعدها ترتفع الأصوات، وربما الأيدي. الوجه يتحول ويتبدل. اليدان في ارتعاش والقلب في خفقان، وهجوم على الخصم! وبعدها يبدأ تراشق الاتهامات والشتائم والتخوين وتصنيفات لاحصر لها وأحيانا التهديد بقائمة عقوبات في حال عدم إذعان الطرف الاخر. ماهو سبب الفجوة بين المتحدث والمستمع؟ وكيف يمكن ردمها؟

من ضمن المشاكل التي نواجهها عدم القدرة على التحاور والنقاش الايجابي. والسبب الرئيسي هو أننا لم نتدرب على قواعد وأصول الاستماع الصحيح منذ البداية! نعم، لدينا آذان لكننا نسمع فقط، لا نصغي ولا ننصت ولا نتفهم. وكما يقول العامة "الكلام يدخل من أذن ويخرج من اخرى". لذلك توصف حواراتنا بأنها مجموعة أحاديث فردية ذات مصلحة شخصية. فالكل يتحدث لنفسه فقط، يسمع لكي يرد ويدافع عن رأيه وقناعاته. هو في صمته متحدث وفي حديثه متحدث! ولا يعنيه الطرف الاخر، وهذا النوع من الحوارات يعرف ب "حوار الطرشان".

كتاب التمرن على مهارات الاستماع للمُدرِبة الرائعة ليزا داونز، الرئيسة السابقة للجمعية الأمريكية للتدريب والتنمية ذكرت فيه أحد عشر خطأً للإستماع. نذكر أهمها. أولاً خطأ المجادلة الداخلية. بمعنى أن تدير بينك وبين نفسك نقاشاً باطنياً بينما تستمع إليه، فتضيع أنت ويصبح هو في وادٍ وأنت في وادٍ آخر. والقاعدة: أن تستمع فقط وتحاول أن تقبل مايلقيه إليك. ثانياً: التسرع في الحكم. كأن تقول لشخصٍ ما - نعم نعم فهمتك، حتى قبل أن ينهي حديثه. القاعدة: أن تعطي المتحدث فرصةً لكي يوضح وجهة نظرهِ حتى النهاية وبدون مقاطعات وألا تفترض نمطاً معيناً له بناءً على إحدى وجهات نظرهِ فقط. رابعاً الاستماع الزائف. وهو أن تمثل أنك تستمع. القاعدة: اذا كنت لاتريد أن تستمع، قل له ذلك بشكل أنيق واستأذن منه لكن إياك أن تمثل الإستماع. خامساً الاستماع الدفاعي. وهو أن تأخذ كلام المتحدث على محملٍ شخصيٍ وأن تعتبره تهجماً عليك. كأن تقول له: ماقصدك؟ الى ماذا تلمح؟ القاعدة: لاتتهم ولاتهاجم المتحدث بل إسمع لتفهم. الخطأ السادس "وهذا قمة الأخطاء"- خطأ الإستماع بهدف حل المشاكل. كأن يتحدث إليك أحدهم وأنت في ذهنك تبحث عن الحل لمشكلته. القاعدة: في معظم الأحيان المتحدث لايبحث عن حل، بل عن شخصٍ يسمعه "فقط". لاتعطه حلاً أو نصيحةً إلا إذا طلب ذلك.

ببساطةٍ أكثر، كلُ ماتريد الكاتبة أن تقوله هو اذا أردت أن تفهم الآخر، عليك ان تفهم وضعهُ المتفرد ومشاعره. فالاستماع ليست مهارةً فحسب، بل هي تركيبة يجب أن نتعلمها بالرغم من صعوبتها. نحن نستمع الى غيرنا ونعيرهم آذاننا ليس لأننا نريد مصلحةً منهم بل لنبني علاقاتٍ وطيدةً معهم.

ختاماً، صدق ستيفن كوفي عندما قال "أنت تصغي بأذنيكَ وبعينيكَ وبقلبكَ، وهذا هو الأهمّ". مارسِ الفهم بوعيٍ مع الكثير من الصبرِ والسكونِ واسمح بالاختلاف، وأنصت بصدقٍ للمتحدث. المشوارُ طويل ويحتاج للكثير من الممارسة، لكن ثمرات الانصات لا تعد ولا تحصى. ألم تتمنى يوماً لو أن والديك أنصتا لك أكثر؟ أو أنك تستطيع أن تنهي نقاشاً مثمراً مع شريك حياتك دون أن يسمعَ الجيرانُ صوتَ ذلك النقاش!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين