مما يوصف به المنافقون

    بقلم أ.د. محمد أديب الصالح


كتب يوسف بن أسباط رحمه الله إلى حذيفة المرعشي –وكان على علم كبير- كتاباً جاء فيه:
أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والعمل بما علمك الله، والمراقبة حيث لا يراك أحد إلا الله، والاستعداد لما لا حيلة لأحد في دفعه، ولا ينتفع بالندم عند نزوله.
فاحسر عن رأسك قناع الغافلين، وانتبه من رقدة الموتى، وشمر الساق، فإن الدنيا ممر السابقين.
ولا تكن ممن قد أظهر الشك، وتشاغل بالوصف، وترك العمل بالموصوف له، فإن لنا ولك مقاماً يسألنا فيه عن الرمق الخافي، وعن الخليل الجافي...
واعلم أن مما يوصف به منافقو هذه الأمة أنهم خالطوا أهل الدين بأبدانهم، وفارقوهم بأهوائهم، وخففوا مما سعوا من الحق، ولم ينتهوا عن خبيث فعالهم؛ إذ ذهبوا إليه فنازعوا في ظاهر أعمال البر بالمحامل والرياء، وتركوا باطن أعمال البر مع السلامة والتقى، كثرت أعمالهم بلا تصحيح، فحرمهم الله من الثمن الربيح...
واعلم يا أخي أنه لا يجزينا من العمل القول... ولا من التوقي التلاوم. وقد صرنا في زمن هذه صفة أهله، فمن يكن كذلك، فقد تعرض للمهالك.
موعظة في كتاب
وكتب محمد بن يوسف(1) إلى أخيه عبد الرحمن بن يوسف كتاباً جاء فيه:
سلام عليك.. فإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو.
أما بعد: فإني أحذرك من متحوّلك من دار مهلتك إلى دار إقامتك، وجزاء أعمالك، فتصير في قرار باطن الأرض بعد ظاهرها، فيأتيك منكر ونكير فيقعدانك، فإن يكن الله معك، فلا بأس ولا وحشة ولا فاقة، وإن يكن غير ذلك فأعاذني الله وإياك من سوء مصرع، وضيق مضجع، ثم يتبعك صيحة الحشر ونفخ الصور، وقد قام الجبار بعد فصل القضاء للخلائق، فخلت الأرض من أهلها، والسماوات من سكانها، فبادرت الأسرار، وسُعِّرت النار، ووُضعت الموازين (وجيء بالنبيين والشهداء، وقضي بينهم بالحق، وقيل الحمد لله رب العالمين).
فكم من مفتضح ومستور، وكم من هالك وناج، وكم من معذب ومرحوم... فياليت شعري: ما حالي وحالك يومئذٍ !!!
ففي هذا ما هزم اللذات، وسلا عن الشهوات، وقصر الأمل، واستيقظ الباغون، وحذر الغافلون، أعاننا الله وإياك على هذا الخطر العظيم، وأوقع الدنيا والآخرة من قلبي وقلبك موقعها بين قلوب المتقين، فإنما نحن به وله.
خوف... وأمن
روي عن محمد بن النضر قال:
ذكر رجل عند الربيع بن خثيم، فقال:
ما أنا عن نفسي براضٍ فأتفرغ منها إلى آدمي غيرها، إن العباد خافوا الله على ذنوب غيرهم، وأمنوه على ذنوب أنفسهم.
كان من خيرة العلماء (2) العباد المستقيمين على مرضاة الله عز وجل علماً وعملاً، وقد حملت ترجمته كثيراً من الثناء عليه والاعتراف بفضله من كبار العلماء العاملين أمثال عبد الرحمن ابن مهدي ويحيى ابن سعيد القطان. وقد روي أن يحيى بن سعيد قال:
ما رأيت رجلاً قط خيراً من محمد بن يوسف –يعني من طبقته وقرنائه-.
فقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه:
يا أبا سعيد هذا الرجل الذي يكثر ذكره علماً وفضلاً؟
قال:علماً وفضلاً.
 الهوامش
1- مجلة حضارة الإسلام- السنة 10 –العدد 8 –شوال 1389 –ك1/ك2 1996 -1970م
2- مجلة حضارة الإسلام –العدد7 –ذو القعدة 1386ه

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين