في ذكرى مئوية لبنان الكبير ويستمر (الاستعمار)

أصل (الاستعمار) في اللغة طلب العمران، فهي صيفة استفعال من فعل (عَمَرَ) والمصدر: (العمران)، وهو المصطلح الذي استعمله ابن خلدون للدلالة على الحضارة والرقي واالتقدم. وإطلاق لقب (الاستعمار) على الاحتلالات الأجنبية لبلادنا عقب الحرب العالمية الأولى أظن أنه كان يحمل في طياته نوع (استحمار) ، وعذرا عن هذه الكلمة، لأنهم أرادوا أن يفهمونا أن البلاد قبل وجودهم كان قاحلة، ليس فيها أي شكل من أشكال الحضارة، لذلك جاؤوا بقدهم وقديدهم، وضحوا بخيرة أبنائهم في حروب طاحنة مدمرة بهدف (استعمار) بلادنا، وتعاملنا نحن مع هذا المصطلح على أنه احتلال، دون مدركين للمعنى الذي يحمله، فحتى اليوم نحن نتكلم عن (الاستعمار الإفرنسي) لبلادنا، (والاستعمار البريطاني)، و.. و .. بينما هو في الحقيقة احتلال مباشر، كان .. ولا يزال.. 

فالواقع المرير الذي نعيشه يشهد بأن بلادنا ما زالت ترزح تحت نير (الاستعمار) الذي صدقنا من خلال مسرحيات ما سمي بالاستقلال أننا تخلصنا منه.

وعندما نرى التدخلات الخارجية للمحافظة على الأنظمة القائمة عندنا والتي لا يختلف اثنان على فسادها وظلمها وجبروتها، ندرك أننا ما زلنا تحت نير (الاستعمار).

وعندما نشاهد المجازر التي ترتكب بحق المطالبين بأدنى حقوق المواطنة والحياة الكريمة على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ثم لا يحرك أحد ساكنا، ندرك أننا ما زلنا تحت نير الاستعمار.

عندما نشاهد كل هذا، ثم ننظر إلى طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية في الغرب ندرك بأن النظام الغربي لا يقيم لنا وزنا، ولا أدري إن كان يعتبرنا بشرا نستحق الحياة، وأن ما يصيبنا من عنت ومشقة وضنك لا يعنيه بشيء، إلا بالقدر الذي يحقق له مصالحه.

حركات التحرر

بعد استقرار (الاستعمار) الأجنبي في بلادنا، هبت الشعوب لنيل (الاستقلال) الذي الذي لم يكن في الحقيقة سوى مصطلح جذاب آخر لواقع مغاير تماما لمضمونه. إذ عندما دخل الاستعمار بلادنا بلدا واحدا وأمة واحدة، وبعد نيل الاستقلال إذا بنا نصبح، فقط في العالم العربي، وبحسب إحصاء جامعة الدول العربية للدول الأعضاء (22) إثنتين وعشرين دولة. يعني: قامت شعوبنا المجاهدة والمناضلة في آسيا وأفريقيا، وشنت حروبا ضد (المستعمر) الأجنبي لطرده، فكانت النتيجة تنفيذ تقسيم بلادنا وفق خارطة يايكس – بيكو. وإليكم بيان ذلك.

في سنة 1517م (922 ه) توحد العالم الإسلامي كله تحت الحكم العثماني بعد معركة مرج دابق، وكان من قبل منقسما إلى ثلاث ممالك: مملكة المماليك، ومملكة الصفويين، ومملكة السلاجقة آل عثمان.

في معركة جالديران سنة 1514 م هزم العثمانيون الصفويين، ودخل السلطان سليم الأول عاصمتهم تبريز. وفي سنة 1517م هزم العثمانيون المماليك في معركة مرج دابق ودخلت جيوشهم بلاد الشام ومصر، وهكذا صار العالم الإسلامي تحت قيادة واحدة، ومن جملة هذا العالم بلادنا العربية، فهي؛ على تقسيماتها القبلية والعشائرية؛ كانت تخضع لحكم العثمانيين، يعني كانت البلاد العربية الواقعة ضمن قارتي آسيا وأفريقيا دولة واحدة تحت حكم سياسي واحد. 

وظل هذا الوضع قائما حتى خسارة العثمانيين الحرب العالمية الأولى، فانفرط عقد الدولة، وظهرت إلى العلن بعد الثورة البلشفية سنة 1917م الخريطة التي وضعت لتقسيم العالم العربي، والتي نفذناها نحن بجهادنا ونضالنا ضد (المستعمر)، حيث نجحنا بإخراجه من بلادنا لنصبح بعد هذا الاستقلال: (22) إثنتان وعشرين دولة، بعد أن كنا حقيقة لا شعارا أمة واحدة..

المطلوب مراجعة المواقف

أمام هذا الواقع المرير يطرح سؤال بريء جدا، لكنه كبير ومهم جدا: ما العمل؟ 

عندما نشاهد نجاح الظالمين والمجرمين في مقابل فشل المطالبين بحقوقهم وبأدنى مقومات العيش الكريم ندرك أن خللا ما حاصل، وبرأيي هذا الخلل حاصل في طبيعة الحراك الذي يقوم به المطالبون بحقوقهم، لأنه ما من حراك حصل إلا وكانت نتيجته تصب في مصلحة (المستعمر) الذي ما زال يحكمنا من خلال وكلائه المسمَّوْنَ رؤساء وحكومات وممالك..

فلو نظرنا إلى حركات التحرر التي حصلت في غالب الأقطار العربية لرأينا أن نتيجتها كانت دائما لصالح (المستعمر) الذي انتفضنا لإخراجه من بلادنا، وهذا يدل على أن نوعية التحركات التي قامت لم تكن تؤدي الدور المطلوب، بل كانت شكلا من أشكال الاستغلال من قبل المحتل لتنفيذ مآربه في الوقت الذي يدفع فيه الناس أغلى ما يملكون: حياتهم، لأجل التخلص من الظلم. لذلك لا بد من مراجعة متجردة وصادقة لكل الاستراتيجيات السابقة التي لم تقدم للأمة شيئا سوى بقاء الاحتلال الأجنبي الذي نراه دائما يقف في بلادنا مع الجلاد ضد الضحية...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين