الحقيقة والفراسة بين التماوت والتمارض والتغافل..والتظاهر بصفات مختلفة!

خاطبَ أحدُهم ، رجلاً خدعَه ، قائلاً :

وغرَرتني ، وزَعمتَ أنّك لابِنٌ ، بالصَيفِ ، تامِرْ !

أيْ : أنّك صاحبُ لبَن وتَمر، في الصيف !

ورويَ ، عن الإمام الشافعي ، أنه كان صاحب فراسة ، وقد حكى عن نفسه : أنه مرّ ، في إحدى جولاته ، ببيت رجل لايعرفه ، فرحّب الرجل به ، ترحيباً عظيماً ، وأكرمَه إكراماً زائداً، والشافعي يتفرّس ، في ملامحه ، وفي تصرّفاته ، فتخبره فراسته ، أن حقيقة الرجل ، هي مناقضة ، لما يحاول التظاهر به ، من الكرم وسماحة النفس! فبات محتاراً : أيصدّق الرجل ، وما يتظاهر به من الجود ، ام يصدّق فراسته ، التي قلّما تَخيب ، أو تخذله في معرفة الرجال! وبعد أن أقسمَ الرجل عليه ، بأن يبيت عنده ، واستجاب له ، وبالغ الرجل ، في إكرامه ، والحفاوة به .. حانت ساعة رحيله ، فحمل أمتعته ، وسار خطوات ، مودّعاً مُضيفه ، شاكراً له إكرامه وحفاوته ، فصاح به الرجل ، قائلاً : إلى أين تذهب ، ولمّا تؤدّ لي حقّ الضيافة !؟ وهل تحسب، أني خدمتك مجّاناً ؟ فسُرّ الشافعي ، سروراً عظيماً ، بكلام الرجل ، ودفع له مبلغاً من المال، اكثر ممّا طلبه، وهو يقول له: جزاك الله خيراً؛ لقد رددتَ إليّ ثقتي بفراستي،التي لم تخذلني قطّ!

التظاهر بالقوّة : وهذا الأمر يمارسه الأعداء ، في العادة ، لإخافة أعدائهم ، أو لبثّ الثقة ، في نفوس أنصارهم ، او لخداع الآخرين ، لكسب ثقتهم ، أو نحو ذلك ! كما يمارس هذا الأسلوب من الخداع ، بعضُ الساسة ؛ لإظهار كثرة مؤيّديهم وأنصارهم ، لكسب معارك انتخابية ، وغيرها ممّا يهتمّ به الساسة !

التظاهر بالغنى : يمارسه بعض الناس ، للحصول على مكاسب مادّية ، أو معنوية ، مثل : كسب احترام الآخرين ، أوكسب ثقتهم ؛ كما يفعل بعض الراغبين بالزواج ، أو بعض الطامحين، إلى مشاركة أشخاص أغنياء ، في أعمالهم التجارية ، أو غير ذلك !

التماوت : التظاهر بالموت ، صفة من صفات الثعلب ، لايتقنها غيره ، في العادة ، وهو يخدع بها المخلوقات الحيّة القويّة ، من البشر وغيرهم ! وتروى حكايات كثيرة طريفة ، عن ممارسته هذه الخدعة ! وهو يمارسها ، بحسب حاجته إليها ، ومن حاجاته المتنوّعة : التخلّص من الأذى، الذي قد يصيبه ؛ فيما لو وقع حيّاً ، في أيدي الناس ، أو غيرهم ! كما يمارس هذا الأسلوب، بعض المقاتلين الجرحى ، في الحروب ، للتخلّص من القتل ، أو الأسر !

التمارُض : التظاهر بالمرض ، وهو حيلة ، يمارسها بعض الناس ، لأسباب مختلفة ، منها: تمارض الموظّف ، للحصول على إجازة مَرضية ، من وظيفته .. وتمارض الطالب ، للتذرّع بها، عن غيابه عن مدرسته ، أو تقصيره ، في بعض واجباته المدرسية .. ونحو ذلك !

التغافل والتغابي : التظاهر بالغفلة والغباء ، عن بعض مايجري ، لأسباب مختلفة ، وهاتان الصفتان ، لايجيدهما ، في الغالب ، إلاّ الأذكياء ، أصحاب النباهة والحنكة ! قال أبو تمّام:

ليس الغبيّ بسَيّد ، في قومِه = لكنّ سيّدَ قومِه المُتَغابي !

وقال المعرّي :

ولمّا رأيتُ الجهلَ ، في الناس ، فاشياً = تَجاهلتُ ، حتّى ظُنَّ أنّيَ جاهلُ !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين