نَعتُ أهلِ الإيمانِ في السُنَّة الغرَّاء [2]

الحمد لله الذي أنشأ فأحسن الإنشاء، وقدَّم وأخَّر كما شاء، وسلامٌ على من اصطفى واختار، وبعد:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بسندٍ حسنٍ في بيانه الناصع الأغرِّ:" مَثَلُ المؤمن مَثُلُ النحلة لا تأكل إلا طيباً ولا تضع إلا طيباً ".

إذا أطلق المؤمن غالباً أنه يعني به المؤمن الذي تكاملت فيه خصال الخير باطناً، وأخلاق الإسلام ظاهراً، وفي الحديث تشبيه المؤمن بالنحلة لقلة مؤنتها وكثرة نفعها؛ إن وقفت على عودٍ نخرٍ لم تكسره، وإن وردت على ماء لم تكدِّره.

قال عليٌّ رضي الله عنه:" كونوا في الدنيا كالنحلة، كلُّ الطير يستضعفها! وما علموا ما ببطنها من النفع والشفاء!".

هي لا تأكل بمرادها وما يلذُّ لها، بل تأكل بأمر مسخرٍّها من كلِّ الثمرات، حلوها ومرِّها لا تتعدَّاه إلى غيره من غير تخليط! فلذلك طاب وصفها لذة وحلاوة وشفاء؛ فكذا المؤمن لا يأكل إلا طيباً وهو الذي نبت واهتدى بمنهج ربه لا بهوى نفسه، فلذلك لا يصدر من باطنه وظاهره إلا طيب الأفعال وذكيَّ الأخلاق وصالح الأعمال فلا يطمح في صلاح الأعمال إلا بعد طيب الغذاء، وبقدر صفاء حلِّه تنمو أعماله وتذكو.

قال ابن الأثير رحمه الله:" وجه المشابهة بين المؤمن والنحلة، حذق النحلة وفطنته وقلة أذاه وقنوعه وسعيه في الليل وتنزهه عن الأقذار وطيب أكله، وأنه لا يأكل من كسب غيره، ونحوله وطاعته لأميره، وإن للنحل آفاتٌ تقطعه عن عمله منها: الظلمة والغيم والريح والدخان والماء والنار، وكذلك للمؤمن آفات تقطعه عن عمله: ظلمة الغفلة، وغيم الشك، وريح الفتنة، ودخان الحرام، وماء الخمر، ونار الهوى ".

إذن المعنى الذي رامه المربِّي الأول صلوات الله وسلامه عليه، أنَّ المؤمن طيِّب المعدن مبارك المنبت سليم الطويَّة عفيف النفس كريم السجايا لطيف المعشر خفيف الظلِّ والمحمل نزيه التعامل سمح التقاضي جواد اليد سخيَّ العطاء زكيَّ الخلال نبيل المناقب نجيب الخليقة ليٍّن الجانب مستعجل الفيء والرضا، تجمَّل بالمحامد وتحلَّى بالوداعة واتخذ من أحسن الخلق مطيِّة ومن اليد البيضاء علامة ومن صنيعة المعروف زمالةً ومن إغاثة الملهوف مسلكاً ومن الإحسان سجيٍّة، قريباً من الكمال، سريع المبادرة، حثيث الخطى في التفاني، أسر الآخرين بجميل فضله وامتنانه، واختار لمطعمه ومشربه أطايبه!.

جميعنا يناشد المولى القريب المجيب أن يجعلنا من أهل الإيمان، ومن أهل القبول عنده وعند عباده القانتين المخبتين، ولا غرو في ذلك فهو تبارك في علاه أفضل من دُعيَ وأكرم من استجاب. 

الحلقة الأولى هـــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين